وأما الثاني فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) والشركة كانت قبل ذلك ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أولم يبحها لهم فكيف يشتركون في شئ لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضا لأنهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بضاعة وهو يمنع ذلك ولان العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال وعلى أبي حنيفة أيضا أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة ولا نسلم ان الوكالة لا تصح في المباحات فإنه يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا تبرع آخذها بذلك كالتوكيل في بيع ماله ومبناهما على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما (مسألة) (وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تصح اختاره أبو الخطاب وهو قول مالك لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمها ويطالب به كل واحد منهما فإذا تقبل أحدهما شيئا مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر ان يقوم به فكيف يلزمه عمله؟ أم كيف يطالب بما لا قدرة له عليه؟ (والثاني) تصح اختاره القاضي لأنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع ولان الصنائع المتفقة قد يكون أحد الرجلين احذق فيها من الآخر فربما يتقبل أحدهما مالا يمكن الآخر عمله ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصنائع
(١٨٧)