تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٣٤
والحصر الذي في قوله انما أشكوا الخ من قصر القلب فيكون مفاده انى لست أشكو بثي وحزني إليكم معاشر ولدى وأهلي ولو كنت أشكوه إليكم لا نقطع في أقل زمان كما يجرى عليه دأب الناس في بثهم وحزنهم عند المصائب وانما أشكو بثي وحزني إلى الله سبحانه ولا يأخذه ملل ولا سأمة فيما يسأله عنه عباده ويبرمه أرباب الحوائج ويلحون عليه واعلم من الله ما لا تعلمون فلست أيأس من روحه ولا اقنط من رحمته.
وفى قوله " واعلم من الله ما لا تعلمون " إشارة اجمالية إلى علمه بالله لا يستفاد منه الا ما يساعد على فهمه المقام كما أشرنا إليه.
قوله تعالى: " يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون " قال في المجمع التحسس بالحاء طلب الشئ بالحاسة والتجسس بالجيم نظيره وفي الحديث: لا تحسسوا ولا تجسسوا وقيل إن معناهما واحد ونسق أحدهما على الاخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر " متى ادن " منه ينأ عنه ويبعد.
وقيل التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء الاستماع لحديث قوم وسئل ابن عباس عن الفرق بينهما؟ قال: لا يبعد أحدهما عن الاخر التحسس في الخير والتجسس في الشر انتهى.
وقوله " ولا تيأسوا من روح الله " الروح بالفتح فالسكون النفس أو النفس الطيب ويكنى به عن الحالة التي هي ضد التعب وهى الراحة وذلك أن الشدة التي فيها انقطاع الأسباب وانسداد طرق النجاة تتصور اختناقا وكظما للانسان وبالمقابلة الخروج إلى فسحة الفرج والظفر بالعافية تنفسا وروحا لقولهم يفرج الهم وينفس الكرب فالروح المنسوب إليه تعالى هو الفرج بعد الشدة بإذن الله ومشيته وعلى من يؤمن بالله ان يعتقد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا قاهر لمشيته ولا معقب لحكمه وليس له ان ييأس من روح الله ويقنط من رحمته فإنه تحديد لقدرته وفي معنى الكفر بإحاطته وسعة رحمته كما قال تعالى حاكيا عن لسان يعقوب (ع) " انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون " وقال حاكيا عن لسان إبراهيم (ع) " ومن يقنط من رحمه ربه الا الضالون " الحجر:
56 وقد عد اليأس من روح الله في الاخبار المأثورة من الكبائر الموبقة.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»
الفهرست