تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٣٣
غضبه قال وعلى ذلك قال - من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة انتهى. وقال الكظم مخرج النفس يقال اخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة في السكوت وكظم فلان حبس نفسه قال تعالى: " إذ نادى وهو مكظوم " وكظم الغيظ حبسه قال تعالى: " والكاظمين الغيظ " ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وكظم السقاء شدة بعد ملئه مانعا لنفسه انتهى.
وقوله " وابيضت عيناه من الحزن " ابيضاض العين أي سوادها هو العمى وبطلان الابصار وربما يجامع قليل ابصار لكن قوله الآتي: " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا " الآية: 93 من السورة يشهد بأنه كناية عن ذهاب البصر.
ومعنى الآية ثم تولى واعرض يعقوب (ع) عنهم أي عن أبنائه بعد ما خاطبهم بقوله بل سولت لكم أنفسكم أمرا وقال يا أسفي ويا حزني على يوسف وابيضت عيناه وذهب بصره من الحزن على يوسف فهو كظيم حابس غيظه متجرع حزنه لا يتعرض لبنيه بشئ.
قوله تعالى: " قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين " الحرض والحارض المشرف على الهلاك وقيل هو الذي لا ميت فينسى ولا حي فيرجى والمعنى الأول انسب بالنظر إلى مقابلته الهلاك والحرض لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر.
والمعنى نقسم بالله لا تزال تذكر يوسف وتديم ذكره منذ سنين لا تكف عنه حتى تشرف على الهلاك أو تهلك وظاهر قولهم هذا انهم انما قالوه رقة بحاله ورأفة به ولعلهم انما تفوهوا به تبر ما ببكائه وسأمة من طول نياحه ليوسف وخاصة من جهة انه كان يكذبهم في ما كانوا يدعونه من أمر يوسف وكان ظاهر بكائه وتأسفه انه يشكوهم كما ربما يؤيده قوله: " انما أشكوا " الخ.
قوله تعالى: " قال انما أشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون " قال في المجمع البث الهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه وكل شئ فرقته فقد بثثته ومنه قوله: " وبث فيها من كل دابة انتهى فهو من المصدر بمعنى المفعول أي المبثوث.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست