القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم، بخلاف المجنون اه.
وصرح الأصوليون بأن حكمه كالصبي، إلا أن الدبوسي قال: تجب عليه العبادات احتياطا. ورده صدر الاسلام بأن العته نوع جنون فيمنع وجوب أداء الحقوق جميعا كما بسطه في شرح التحرير.
قوله: (بالكسر الخ) أي كسر الباء. قال في البحر وفي بعض كتب الطب أنه ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والأمعاء ثم يتصل بالدماغ. قوله: (هو لغة المغشي) قال في التحرير:
الاغماء آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا وإلا عصم منه الأنبياء، وهو فوق النوم فلزمه ما لزمه وزيادة كونه حدثا ولو في جميع حالات الصلاة ومنع البناء، وبخلاف النوم في الصلاة إذا اضطجع حالة النوم له البناء. قوله: (وفي القاموس دهش) أي بالكسر كفرح. ثم إن اقتصاره على ذكر التحير غير صحيح، فإنه في القاموس قال بعده: أو ذهب عقله حياء أو خوفا اه. وهذا هو المراد هنا، ولذا جعله في البحر داخلا في المجنون.
مطلب في طلاق المدهوش وقال في الخيرية: غلط من فسره هنا بالتحير، إذ لا يلزم من التحير وهو التردد في الامر ذهاب العقل. وسئل نظما فيمن طلق زوجته ثلاثا في مجلس القاضي وهو مغتاظ مدهوش، فأجاب نظما أيضا بأن الدهش من أقسام الجنون فلا يقع، وإذا كان يعتاده بأن عرف منه الدهش مرة يصدق بلا برهان اه.
قلت: وللحافظ ابن القيم الحنبلي رسالة في طلاق الغضبان قال فيها: إنه على ثلاثة أقسام:
أحدها أن يحصل له مبادي الغضب بحيث لا يتغير عقله ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال فيه. الثاني أن يبلغ النهاية فلا يعلم ما يقول ولا يريده، فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شئ من أقواله.
الثالث من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر، والأدلة تدل على عدم نفوذ أقواله اه. ملخصا من شرح الغاية الحنبلية. لكن أشار في الغاية إلى مخالفته في الثالث حيث قال: ويقع طلاق من غضب خلافا لابن القيم اه. وهذا الموافق عندنا لما مر في المدهوش، لكن يرد عليه أنا لم نعتبر أقوال المعتوه مع أنه لا يلزم فيه أن يصل إلى حالة لا يعلم فيها ما يقول ولا يريده.
وقد يجاب بأن المعتوه لما كان مستمرا على حالة واحدة يمكن ضبطها اعتبرت فيه، واكتفى فيه بمجرد نقص العقل، بخلاف الغضب فإنه عارض في بعض الأحوال، لكن يرد عليه الدهش فإنه كذلك.
والذي يظهر لي أن كلا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول، بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل، كما هو المفتى به في السكران على ما مر، ولا ينافيه تعريف الدهش بذهاب العقل، فإن الجنون فنون، ولذا فسره في البحر باختلال العقل وأدخل فيه العته والبرسام والاغماء والدهش، ويؤيد ما قلنا بعضهم: العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرا، والمجنون ضده. وأيضا فإن بعض المجانين يعرف ما يقول ويريده، ويذكر ما يشهد