أقول: وما ذكره الشارح من التعليل أصله لصاحب البحر أخذا من قول البزازية في الايمان:
قال لها: لا تخرجي من الدار إلا بإذني فإني حلفت بالطلاق، فخرجت لا يقع لعدم ذكر حلفه بطلاقها، ويحتمل الحلف بطلاق غيرها فالقول له اه. ومثله في الخانية. وفي هذا الاخذ نظر، فإن مفهوم كلام البزازية أنه لو أراد الحلف بطلاقها يقع، لأنه جعل القول له في صرفه إلى طلاق وغيرها، والمفهوم من تعليل الشارح تبعا للبحر عدم الوقوع أصلا لفقد شرط الإضافة، مع أنه لو أراد طلاقها تكون الإضافة موجودة ويكون المعنى: فإني حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك، ولا يلزم كون الإضافة صريحة في كلامه لما في البحر لو قال: طالق، فقيل له من عنيت؟ فقال امرأتي طلقت امرأته اه. على أنه في القنية قال عازيا إلى البرهان صاحب المحيط: رجل دعته جماعة إلى شرب الخمر فقال إني حلفت بالطلاق أني لا أشرب وكان كاذبا فيه ثم شرب طلقت. وقال صاحب التحفة: لا تطلق ديانة اه. وما في التحفة لا يخالف ما قبله لان المراد طلقت قضاء فقط، لما مر من أنه لو أخبر بالطلاق كاذبا لا يقع ديانة، بخلاف الهازل، فهذا يدل على وقوعه وإن لم يضفه إلى المرأة صريحا، نعم يمكن حمله على ما إذا لم يقل إني أردت الحلف بطلاق غيرها فلا يخالف ما في البزازية. ويؤيده ما في البحر لو قال: امرأة طالق أو قال طلقت امرأة ثلاثا وقال لم أعن امرأتي يصدق اه. ويفهم منه أنه لو يقل ذلك تطلق امرأته، لان العادة أن من له امرأة إنما يحلف بطلاقها لا بطلاق غيرها، فقوله إني حلفت بالطلاق ينصرف إليها ما لم يرد غيرها لأنه يحتمله كلامه، بخلاف ما لو ذكر اسمها أو اسم أبيها أو أمها أو ولدها فقال: عمرة طالق أو بنت فلان أو بنت فلانة أو أم فلان، فقد صرحوا بأنها تطلق، وأنه لو قال: لم أعن امرأتي لا يصدق قضاء إذا كانت امرأته كما وصف كما سيأتي قبيل الكنايات، وسيذكر قريبا أن من الألفاظ المستعملة: الطلاق يلزمني، والحرام يلزمني، وعلي الطلاق، وعلي الحرام، فيقع بلا نية للعرف الخ، فأوقعوا به الطلاق مع أنه ليس فيه إضافة الطلاق إليها صريحا، فهذا مؤيد لما في القنية، وظاهره أنه لا يصدق في أنه لم يرد امرأته للعرف، والله أعلم. قوله: (وما بمعناها من الصريح) أي مثل ما سيذكره من نحو: كوني طالقا وأطلقي ويا مطلقة بالتشديد، وكذا المضارع إذا غلب في الحال مثل أطلقك كما في البحر.
قلت: ومنه في عرف زماننا: تكوني طالقا، ومنه: خذي طلاقك فقالت أخذت، فقد صحح الوقوع به بلا اشتراط نية كما في الفتح، وكذا لا يشترط قولها أخذت كما في البحر. وأما ما في البحر من أن منه: شئت طلاقك، ورضيت طلاقك، ففيه خلاف. وجزم الزيلعي بأنه لابد فيهما من النية كما ذكره الخير الرملي: أي فيكون كناية لان الصريح لا يحتاج إلى النية.
وأما ما في البحر أيضا من أنه منه: وهبت لك طلاقتك وأودعتك طلاقك ورهنتك طلاقك فسيذكر الشارح تصحيح الوقوع به. وأما أنت الطلاق فليس بمعنى المذكورات، لان المراد بها ما يقع به واحدة رجعية وإن نوى خلافها كما صرح به المصنف، وأنت الطلاق تصح فيه نية الثلاث كما ذكره عقبة. وأما أنت أطلق من فلانة، ففي النهر عن الولوالجية أنه كناية. قال: فإن كان جوابا لقولها إن فلان طلق امرأته وقع ولا يدين كما في الخلاصة، لان دلالة الحال قائم مقام النية، حتى لو لم تكن قائمة لم يقع إلا بالنية اه فافهم.