كتاب الطلاق لما ذكر النكاح وأحكامه اللازمة والمتأخرة عنه شرع فيما به يرتفع، وقدم الرضاع لأنه يوجب حرمة مؤبدة، بخلاف الطلاق تقديما للأشد على الأخف. بحر. قوله: (لكن جعلوه الخ) عبارة البحر قالوا: إنه استعمل في النكاح بالتطليق وفي غيره بالاطلاق، حتى كان الأول صريحا والثاني كناية، فلم يتوقف على النية في طلقتك وأنت مطلقة بالتشديد، ويتوقف عليها في أطلقتك ومطلقة بالتخفيف اه. قال في البدائع: وهذا الاستعمال في العرف وإن كان المعنى في اللفظين لا يختلف في اللغة، ومثل هذا جائز كما يقال حصان وحصان، فإنه بفتح الحاء يستعمل في المرأة، وبكسرها في الفرس اه. والظاهر أنه أراد بالعرف عرف اللغة، لأنه صرح في محل آخر أن الطلاق في اللغة والشرع عبارة عن رفع قيد النكاح، وصرح أيضا بما يدل على أن الطلاق في اللغة صريح وكناية، فافهم. قوله: (وشرعا رفع قيد النكاح) اعترضهم في البحر بأمور:
الأول: أنهم قالوا: ركنه اللفظ المخصوص الدال على رفع القيد فينبغي تعريفه به، لان حقيقة الشئ ركنه، فعلى هذا هو لفظ دال على رفع قيد النكاح.
الثاني: أن القيد صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز كما في البدائع، فكان هذا التعريف مناسبا للمعنى اللغوي لا الشرعي.
الثالث: أنه كان ينبغي تعريفه بأنه رفع عقد النكاح بلفظ مخصوص ولو مآلا اه.
أقول: والجواب عن الأول أن الطلاق اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام والسراح بمعنى التسليم والتسريح، أو مصدر طلقت بضم اللام أو فتحها طلاقا كالفساد، كذا في الفتح، وتقدم أنه لغة: رفع الوثاق مطلقا: أي حسيا كوثاق البعير والأسير، ومعنويا كما هنا، وأن المعنى الشرعي مستعمل في اللغة أيضا، فقد ثبت أن حقيقة الطلاق الشرعي هو الحدث الذي هو مدلول المصدر لا نفس اللفظ، لكن لما كان أمرا معنويا لا يتحقق إلا بلفظه المستعمل فيه قبل إن ركنه اللفظ، فليس اللفظ حقيقته بل دال عليه، فلذا قال المصنف تبعا للفتح: إنه رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص. وعن الثاني والثالث أن المراد بالقيد العقد، ولذا قال في الجوهرة: هو في الشرع عبارة عن المعنى الموضوع لحل عقدة النكاح، فقد فسره بالمعنى المصدري كما قلنا أولا وعبر عن رفع القيد بحل العقدة: أي بفك رابطة النكاح استعارة، والمراد برفع العقد رفع أحكامه، لأن العقود كلمات لا تبقى بعد التكلم بها كما حققه في التلويح في بحث العلل وعن هذا قال في البدائع: وأما بيان ما يرفع حكم النكاح فالطلاق، وقال قبله: للنكاح الصحيح أحكام بعضها أصلي وبعضها من التوابع: فالأول حل الوطئ إلا لعارض. والثاني حل النظر وملك المتعة وملك الحبس وغير ذلك اه.
وأما ما ورد في البحر من أن من آثار العقد العدة في المدخول بها فلذا لم يفسروه برفع العقد، ففيه أن العدة ليست من أحكام النكاح لأنه غير موضوع لها، وكونها من آثاره لا ينافي وجودها بعد رفع أحكامه كما أن نفس الطلاق من آثار عقد النكاح، ولا يصح أن يكون من أحكامه،