بلبن الزاني تحرم على الزاني، مردود لان المسطور في الكتب المشهورة أن الرضيعة بلبن غير الزوج لا تحرم على الزوج كما تقدم في قوله: طلق ذات لبن الخ وكلام الخلاصة يقتضي تحريمها بالأولى، وما في الفتاوى إذا خالف ما في المشاهير من الشروح لا يقبل، هذا تقرير كلام الفتح، وقد وقع في فهمه خبط كثير، منه ما ادعاه في البحر من أن محل الخلاف أصول الزاني وفروعه، وأنها لا تحل للزاني اتفاقا اه.
والحاصل كما قال في البحر أن المعتمد في المذهب أن لبن الزاني لا يتعلق به التحريم، وظاهر المعراج والخانية أن المعتمد ثبوته اه.
قلت: وذكر في شرح المنية أنه لا يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية، وقد علمت أن الوجه مع رواية عدم التحريم. قوله: (قال لزوجته) التقييد بالزوجة لقوله بعده فرق بينهما وإلا فقوله ذلك لأجنبية قبل العقد عليها كذلك. قوله: (هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها) أتى بذلك للرد على من جعل تكرار الاقرار ثباتا أيضا مثل قوله: هو حق ونحوه، وجزم في البحر بأنه ليس مثله، وهذه المسألة صارت واقعة الفتوى في زمن العلامة عبد البر بن الشحنة، خالفه فيها بعض معاصريه وعقد لها مجالس عديدة بأمر السلطان قايتباي، وكتب خطوط العلماء من المذاهب الأربعة كما ذكره المقدسي في شرحه، وسرد فيه نصوص أئمتنا، ثم قال: ظاهر هذه العبارات أن الثبات على الاقرار المانع عن الرجوع هو أن يقول ما قلته حق، أو ما أقررت به ثابت، وأما تكرار الاقرار فلا يكون مانعا،. وقد لوح المصنف في مسائل شتى من المنح آخر الكتاب إلى تلك الواقعة، وأنها عرضت على شيخ الاسلام زكريا الشافعي فأجاب بما فيه كفاية اه.
قلت: ورأيتها في فتاوى شيخ الاسلام زكريا فقال بعد عرض النقول من كلام أئمتنا ما صورته: صريح هذه النقول ومنطوقها مع العلم بوقوع العطف التفسيري في الكلام الفصيح ومع النظر إلى ما هو واجب من الجمع بين كلام الأئمة المذكورين وغيرهم، ومن النظر إلى المعنى المفهوم من كلامهم شاهد بأن المراد بالثبات والدوام والإصرار واحد بأن المقر بأخوة الرضاع ونحوها إن ثبت على إقراره لا يقبل رجوعه عنه وإلا قبل، وبأن الثبات عليه لا يحصل إلا بالقول بأن يشهد على نفسه بذلك، أو يقول هو حق أو كما قلت أو ما في معناه، كقوله هو صدق أو صواب أو صحيح أو لا شك فيه عندي، إذ لا ريب أن قوله صدق آكد من قوله هو كما قلت، فكلام من جمع بين هو حق وكما قلت كما فعل في السراج الهندي محمول على التأكيد، وكلام من اقتصر على بعضها ولو بطريق الحصر مؤول بتقدير أو ما في معناه كما قلنا في قوله تعالى: * (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * (سورة الأنبياء: الآية 801) وقوله (ص): إنما الربا في النسيئة وليس في منطوق النصوص المذكور أن التكرار يقوم مقام قوله: هو حق أو ما في معناه حتى يمتنع الرجوع بعده، نعم يؤخذ من قول صاحب المبسوط: ولكن الثابت على الاقرار كالمجدد له بعد العقد أنه إذا أقر بذلك قبل عقد ثم أقر به بعده يقوم مقام ذلك اه.