أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول هذا، ولا فرق بين العالم والجاهل، وعليه الفتوى ا ه.
ثم إنه لا فرق يظهر بين النكاح والطلاق وقد استدل الخير الرملي على ذلك بما قدمناه من قول قاضيخان: إنه ينبغي أن يكون النكاح كالطلاق والعتاق في أنه لا يشترط العلم بمعناه، لان العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل ا ه. قال: فإذا علمنا أن الطلاق واقع مع التصحيف فينبغي أن يكون النكاح نافذا معه أيضا ا ه.
قلت: وأما الجواب بأن وقوع الطلاق للاحتياط في الفروج فهو مشترك الالزام، على أنه لا احتياط في التفريق بعد تحقق الزوجية بمجرد التلفظ بلفظ مصحف أو مهمل لا معنى له، بل الاحتياط من بقاء الزوجية حتى يتحقق المزيل، فلو لا أنهم اعتبروا القصد بهذا اللفظ المصحف بدون وضع جديد ولا علاقة لم يوقعوا به الطلاق، لان الغلط الخارج عن الحقيقة والمجاز لا معنى له، فعلم أنهم اعتبروا المعنى الحقيقي المراد ولم يعتبروا تحريف اللفظ، بل قولهم يقع بها قضاء يفيد أنه يقضى عليه بالوقوع، وإن قال: لم أرد بها الطلاق حملا على أنها من أقسام الصريح ولذا قيد تصديقه بالاشهاد فبالأولى إذا قال العامي جوزت بتقديم الجيم أو زوزت بالزاي بدل الجيم قاصدا به معنى النكاح يصح، ويدل عليه أيضا ما قدمناه عن الذخيرة من أنه إذا قال: جعلت بنتي هذه لك بألف صح لأنه أتى بمعنى النكاح، والعبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ، فهذا التعليل يدل على أن كل ما أفاد معنى النكاح يعطى حكمه، لكن إذا كان بلفظ نكاح أو تزويج أو ما وضع لتمليك العين للحال، ولا شك أن لفظ جوزت أو زوزت لا يفهم منه العاقدان والشهود إلا أنه عبارة عن التزويج، ولا يقصد منه إلا ذلك المعنى بحسب العرف، وقد صرحوا بأنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه، وإذا وقع الطلاق بالألفاظ المصحفة ولو من عالم كما مر وإن لم تكن متعارفة كما هو ظاهر إطلاقهم فيها يصح النكاح من العوام بالمصحفة المتعارفة بالأولى، والله تعالى أعلم.
تنبيه: علم مما قررناه جواز العقد بلفظ أزوجت بالهمزة في أوله خلافا لما ذكره السيد محمد أبو السعود في حاشية مسكين عن شيخه من عدم الجواز، معللا بأنه لم يجده في كتب اللغة فكان تحريفا وغلطا. قوله: (احتراما للفروج) أي لخطر أمرها وشدة حرمتها، فلا يصح العقد عليها إلا بل فصريح أو كناية. قوله: (سماع كل) أي ولو حكما كالكتاب إلى غائبه لان قراء ته قائمة مقام الخطاب كما مر. وفي الفتح ينعقد النكاح من الأخرس إذا كانت لإشارة معلومة. قوله: (ليتحقق رضاهما) أي ليصدر منهما ما من شأنه أن يدل على الرضا، إذ حقيقة الرضا غير مشروطة في النكاح لصحته مع الاكراه والهزل. رحمتي وذكر السيد أبو السعود أن الرضا شرط من جانبها لا من جانب الرجل، واستدل لذلك بما صرح به القهستاني في المهر من فساد العقد إذا كان الاكراه من جهتها. وأقول: فيه نظر، فإنه ذكر في النقاية أن في النكاح الفاسد لا يجب شئ إن لم يطأها، وإن وطئها وجب مهر المثل، فقال القهستاني عند قوله في النكاح الفاسد: أي الباطل كالنكاح للمحارم المؤبدة أو المؤقتة أو بإكراه من جهتها الخ، فقوله من جهتها معناه: أنها إذا أكرهت الزوج على التزوج بها لا يجب لها عليه شئ،