فجائز كما حققه في الفتح، وتبعه في المهر قائلا وارتضاه غير واحد. وخالفهم في البحر بأن المعتمد ما أطلقه الشارحون من عدم الجواز، لان الوصية مجاز عن التمليك، فلو انعقد بها لكان مجازا عن النكاح، والمجاز لا مجاز له كما في بيوع العناية ا ه. ونقل الرملي عن المقدسي أن قوله: إن المجاز لا مجاز له، مردود يعرف ذلك من طالع أساس البلاغة ا ه: أي كما قرروه في رأيت مشفر زيد من أنه مجاز بمرتبتين، وكذا في * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) *.
قلت: لكن قول المصنف كغيره، وما وضع لتمليك العين في الحال لا يشمل الوصية، لأنها موضوعة لتمليك العين بعد الموت، فإذا استعملت في تمليك العين في الحال كانت مجازا فلم يصح بها النكاح بناء على أنها لم توضع للتمليك في الحال لا بناء على أنها مجاز المجاز، اللهم إلا أن يجاب بأن قولهم وضع بمعنى استعمل فيشمل الحقيقة والمجاز، أو هو مبني على أن المجاز موضوع بالوضع النوعي كما أوضحه شارح التحرير في أول الفصل الخامس فتأمل. قوله: (كهبة) أي إذا كانت على وجه النكاح.
واعلم أن المنكوحة إما أمة أو حرة، فإذا أضاف الهبة إلى الأمة بأن قال لرجل وهبت أمتي هذه منك: فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار شهود وتسمية المهر معجلا ومؤجلا ونحو ذلك ينصرف إلى النكاح، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح: فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب له فكذلك ينصرف إلى النكاح بقرينة النية، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة، وإن أضيفت إلى الحرة فإنه ينعقد من غير هذه القرينة لأن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي، وهو الملك للحرة، يوجب الحمل على المجاز فهو القرينة، فإن قامت القرينة على عدمه لا ينعقد، فلو طلب من امرأة الزنى فقالت وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت لا يكون نكاحا، كقول أبي البنت وهبتها لك لتخدمك فقال قبلت، إلا إذا أراد به النكاح، كذا في البحر ط. قوله: (وقرض الخ) قال في النهر:
وفي الصرف والقرض والصلح والرهن قولان، وينبغي ترجيح انعقاده بالصرف عملا بالكلية لما أنه يفيد ملك العين في الجملة (1) وبه يترجح ما في الصيرفية من تصحيح انعقاده بالقرض، وإن رجح في الكشف وغيره عدمه، وجزم السرخسي بانعقاده بالصلح والعطية ولم يحك الإتقاني غيره ا ه.
وسيأتي الكلام على الرهن لكن قوله ولم يحك الإتقاني غيره سبق قلم، فإن الذي ذكره الإتقاني في غاية البيان أنه لا ينعقد بالصلح، وهكذا نقله عنه في البحر، وعزاه في الفتح إلى الأجناس ثم نقل كلام السرخسي.
قلت: وينبغي التفصيل والتوفيق بأن يقال: إن جعلت المرأة بدل الصلح مثل أن يقول أبو البنت لدائنه مثلا صالحتك عن ألفك التي لك علي ببنتي هذه، وإن جعلت مصالحا عنها بأن قال:
صالحتك عن بنتي بألف لا يصح، وعليه يحمل كلام غاية البيان بدليل أنه علله بقوله: لان الصلح حطيطة وإسقاط للحق ا ه. ولا يخفى أن الاسقاط إنما هو بالنسبة للمصالح عنه، والمقصود ملك المتعة من المرأة لا إسقاطه، فلذا لم يصح. أما بدل الصلح فالمقصود ملكه أيضا فيصح به ملك