ودفعت أمه عنه المهر وهي غير وصية عليه ثم بلغ فأرادت الرجوع عليه، وينبغي في هذه الحادثة عد الرجوع لايفائها دين الصبي بلا إذن ولا ولاية، ولا سيما على القول الآتي من اشتراط الاشهاد في غير الأب. أيضا تأمل. وفي البزازية: إذا أشهد: أي الأب عند الأداء أنه أدى ليرجع رجع وإن لم يشهد عند الضمان ا ه.
والحاصل أن الاشهاد عند الضمان أو الأداء شرط الرجوع كما في البحر. وقيده في الفتح بما إذا كان الصغير فقيرا، واعترضه في النهر بما مر عن غاية البيان: أي من حيث إنه مطلق مع عموم التعليل بالعرف.
وقد يقال: إن ما في الفتح مبني على عدم اطراد العرف إذا كان الصغير غنيا فله الرجوع وإن لم يشهد ولا سيما لو كان الأب فقيرا، فتأمل.
وبقي ما لو دفع بلا ضمان، ومقتضى التعليل بالعادة أنه لا فرق، فيرجع إن أشهد وإلا لا، وسيذكر الشارح في آخر باب الوصي.
ولو اشترى لطفله ثوبا أو طعاما وأشهد أنه يرجع به عليه، يرجع به لو له مال، وإلا لا لوجوبها عليه ح. ومثله لو اشترى له دارا أو عبدا يرجع سواء كان له مال أو لا، وإن لم يشهد لا يرجع، كذا عن أبي يوسف وهو حسن يجب حفظه ا ه.
قلت: وحاصله الفرق بين الطعام والكسوة وبين غيرهما، ففي غيرهما لا يرجع إلا إذا أشهد، سواء كان الصغير فقيرا أولا، وكذا فيهما إن كان الصغير غنيا. أما لو فقيرا فلا رجوع له وإن أشهد لوجوبهما عليه بخلاف نحو الدار والعبد، ومقتضى هذا أن المهر بلا ضمان كالدار والعبد لعدم وجوبه عليه، فله الرجوع عليه إن أشهد ولو فقيرا، وإلا فلا، وهذا يؤيد ما في النهر، فتدبر.
هذا وسنذكر هناك اختلاف القولين في أن الوصي لو أنفق من ماله على قصد الرجوع هل يشترط الاشهاد أم لا؟ والاستحسان الأول. وعليه فلا فرق بينه وبين الأب، فما مر عن غاية البيان من قوله بخلاف الوصي مبني على القول الآخر، والله تعالى أعلم وشمل الرجوع بعد الاشهاد ما لو أدى بعد بلوغ الابن كما في الفيض. وفيه أن هذا: أي اشتراط الاشهاد إذا لم يكن للصبي دين على أبيه، فلو على الأب دين له فأدى مهر امرأته ولم يشهد ثم ادعى أنه أداه من دينه الذي عليه صدق، ولو كان الابن كبيرا فهو متبرع لأنه لا يملك الأداء بلا أمره ا ه.
تنبيه: اشتراط الاشهاد لرجوع الأب لا ينافيه ما قدمناه، من أنه لو مات وأخذت الزوجة مهرها من تركته فلباقي الورثة الرجوع في نصيب الصغير، لما علمت من أنه صار كفيلا بالامر دلالة، والكفيل بأمر المكفول عنه يرجع بما أدى، وإنما لم يرجع لو أدى بنفسه بلا إشهاد للعادة بأنه يؤدي تبرعا. أما إذا لم يدفع بنفسه وأخذت الزوجة من تركته لم يوجد التبرع منه، فلذا يرجع باقي الورثة في نصيب الصغير من التركة.
فرع: في الفيض: ولو أعطى ضيعة بمهر امرأة ابنه ولم تقبضها حتى مات الأب فباعتها المرأة لم يصح إذا ضمن الأب المهر ثم أعطى الضيعة به فحينئذ لا حاجة إلى القبض.