الثانية: ادعى على القاضي أنه ظلمه في الحكم، أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط، أو ادعى عليه ما يسقط شهادته، لم يحلفا، لارتفاع منصبهما عن التحليف، وقد سبق هذا في الباب الأول، وفي أول أدب القضاء، ولو ادعى على المعزول أنه حكم أيام قضائه عليه ظلما، وأنكر، فقد سبق وجهان في أنه يحلف أم يصدق بلا يمين وهو الأصح، هذا في دعوى تتعلق بالحكم، وأما ما لا يتعلق بالحكم، كدعوى مال وغيره، فهو كسائر الناس في الخصومات الشرعية يحكم فيها بينه وبين المدعي خليفته، أو قاض آخر.
الثالثة: الصبي إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الامكان، صدق بلا يمين، كما سبق في الاقرار، ومن ادعى عليه بشئ، فقال: أنا صبي بعد وهو محتمل، لم يحلف، وتوقف الخصومة حتى يبلغ، وإن وقع في السبي من أنبت، وقال: استنبت الشعر بالعلاج، وأنا غير بالغ، بني على القولين السابقين في الحجر أن إنبات العانة نفس البلوغ أم علامته، إن قلنا بالأول، فلا حاصل لكلامه، وإن قلنا بالثاني وهو الأظهر فالمنصوص المعروف في المذهب أنه يحلف وهو مشكل من جهة أنه يدعي الصبي، وتحليف من يدعى الصبي لا وجه له، كما سبق في الاقرار، فقال ابن القطان والقفال: هذا التحليف احتياط واستظهار، ومقتضى كلام الجمهور أنه واجب، وصرح به الروياني، ونفى الخلاف فيه، واعتمدوا في تحليفه الانبات، وقالوا: كيف نتر ك الدليل الظاهر بزعم مجرد؟ فإذا حلف، ألحق بالصبيان، وحقن دمه، وإن نكل، فالمنصوص أنه يقتل، والثاني: يخلى، والثالث: يحبس حتى يحلف أو يقر، والرابع: يحبس حتى يتحقق بلوغه، ثم يحلف على ما ادعاه من الاستعجال، فإن لم يحلف قتلناه.
الرابعة: ادعى رجل دينا على ميت، أو أنه أوصى له بشئ، وللميت وصي في قضاء دينه، وتنفيذ وصاياه، فأنكر، فإن كان للمدعي بينة، حكم بها، وإن لم يكن وأراد تحليف الوصي على نفي العلم، لم يمكن، لأن مقصود التحليف أن يقر، والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية، فلا معنى لتحليفه، فلو كان وارثا،