ومتى كان للمطلوب عذر مانع من الحضور، لم يكلف، بل يبعث إليه من يحكم بينه وبين خصمه، أو يأمره بنصب وكيل ليخاصم عنه، فإن وجب تحليفه، بعث إليه من يحلفه، والعذر كالمرض، أو حبس ظالم، أو الخوف منه وفي المرأة المخدرة خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.
الحالة الثانية: أن يكون خارج البلد، فينظر إن كان خارجا عن محل ولاية القاضي لم يكن له أن يحضره، وإن كان فيها، فإن كان له في ذلك الموضع نائب، لم يحضره، بل يسمع البينة ويكتب إليه، هذا هو الصحيح، وقيل: يلزم إحضاره إذا طلب الخصم، وقيل: يتخير بين الامرين، ذكره السرخسي في الأمالي وإن لم يكن هناك، فثلاثة أوجه. أحدهما - وبه قطع العراقيون -: يحضره قربت المسافة أم بعدت، لكن له أن يبعث إلى بلد المطلوب من يحكم بينه وبين المستعدي، والثاني إن كان دون مسافة القصر أحضره، وإلا فلا، والثالث إن كان على مسافة العدوي، أحضره وإلا فلا، وهذا أصح عند الامام. وإذا قلنا: لا يحضره إذا كان هناك حاكم، فكذا لا يحضره إذا كان هناك من يتوسط ويصلح بينهما، بل يكتب إليه أن يتوسط ويصلح، فإن تعذر فحينئذ يحضره، وحيث قلنا: يحضر الخارج عن البلد، فذكر الامام والغزالي، وصاحب العدة أنه إنما يحضره إذا أقام المدعي بينة على ما يدعيه، فقد لا يكون له حجة فيتضرر الخصم بالاحضار، لكن قد لا يكون له حجة، ويقصد تحليفه لعله ينزجر فيقر، ولم يتعرض الجمهور لما ذكره، لكن قالوا: يبحث القاضي عن جهة دعواه، فقد يريد مطالبته بما لا يعتقده، كذمي أراد مطالبة مسلم بضمان خمر، بخلاف الحاضر في البلد لا يحتاج إلى البحث في إحضاره، لأنه ليس في الحضور عليه مشقة شديدة ولا مؤنة.
فرع لو استعدى على امرأة خارجة عن البلد هل يحضرها، وهل يشترط أمن الطريق ونسوة ثقات، وهل على القاضي أن يبعث إليها محرما لها لتحضر معه؟
قال أبو العباس الروياني في كل ذلك وجهان الأصح أن يبعث إليها محرما أو نسوة ثقات.