الآخر لما روى أن رجلا نزل بعلي بن أبي طالب عليه السلام فقال له ألك خصم قال نعم قال تحول هنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يضيفن أحد الخصمين إلا ومعه خصمه، ولان في إضافة أحدهما إظهار الميل وترك العدل ولا يسار أحدهما ولا يلقنه حجة لما ذكرناه، ولا يأمر أحدهما بإقرار لان فيه إضرارا به ولا بإنكار لان فيه إضرارا بخصمه. وإن ادعى أحدهما دعوى غير صحيحة فهل له أن يلقنه كيف يدعى، فيه وجهان، أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه يجوز لأنه لا ضرر على الآخر في تصحيح دعواه.
والثاني أنه لا يجوز لأنه ينكسر قلب الآخر ولا يتمكن من استيفاء حجته، وله أن يزن عن أحدهما ما عليه لان في ذلك نفعا لهما، وله أن يشفع لأحدهما لان الإجابة إلى المشفوع إليه ان شاء شفعه وان شاء لم يشفعه، وان مال قلبه إلى أحدهما أو أحب أن يفلح أحدهما على خصمه ولم يظهر ذلك منه بقول ولا فعل جاز لأنه لا يمكنه التسوية بينهما في المحبة والميل بالقلب، ولهذا قلنا يلزمه التسوية بين النساء في القسم ولا يلزمه التسوية بينهن في المحبة والميل بالقلب.
(فصل) ولا ينتهر خصما لان ذلك يكسره ويمنعه من استيفاء الحجة، وان ظهر من أحدهما لدد أو سوء أدب نهاه، فإن عاد زجره وان عاد عزره، ولا يزجر شاهدا ولا يتعنته، لان ذلك يمنعه من الشهادة على وجهها ويدعوه إلى ترك القيام بتحمل الشهادة وأدائها وفى ذلك تضييع للحقوق.
(فصل) فإن كان بين نفسين حكومة فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم وجبت عليه اجابته لقوله تعالى (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) فإن لم يحضر فاستعدى عليه الحاكم وجب عليه أن يعديه، لأنه إذا لم يعده أدى ذلك إلى ابطال الحقوق، فإن استدعاه الحاكم فامتنع من الحضور تقدم إلى صاحب الشرطة ليحضره، وإن كان بينه وبين غائب حكومة ولم يكن عليه بينة فاستعدى الحاكم عليه فإن كان الغائب في موضع فيه حاكم كتب إليه لينظر بينهما، وان لم يكن حاكم وهناك من يتوسط بينهما كتب إليه لينظر بينهما، وان لم يكن من ينظر بينهما لم يحضره حتى يحقق الدعوى