قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب صفة القضاء إذا حضر عند القاضي خصمان وادعى أحدهما على الآخر حقا يصح فيه دعواه وسأل القاضي مطالبة الخصم بالخروج من دعواه طالبه وإن لم يسأله مطالبة الخصم ففيه وجهان:
(أحدهما) أنه لا يجوز للقاضي مطالبته لان ذلك حق للمدعى فلا يجوز استيفاؤه من غير إذنه.
(والثاني) وهو المذهب أنه يجوز له مطالبته لان شاهد الحال يدل على الاذن في المطالبة، فإن طولب لم يخل إما أن يقر أو ينكر أو لا يقر ولا ينكر فإن أقر لزمه الحق ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعى، لان الحكم حق له فلا يستوفيه من غير إذنه، فإن طالبه بالحكم حكم له عليه وإن أنكر فإن كان المدعى لا يعلم أن له إقامة البينة قال له القاضي ألك بينة، وإن كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت، وإن لم تكن له بينة وكانت الدعوى في غير دم فله أن يحلف المدعى عليه ولا يجوز للقاضي إحلافه إلا بمطالبة المدعى، لأنه حق له فلا يستوفيه من غير اذنه، وان أحلفه قبل المطالبة لم يعتد بها لأنها يمين قبل وقتها وللمدعى أن يطالب بإعادتها لان اليمين الأولى لم تكن يمينه، وان أمسك المدعى عن احلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة جاز لأنه لم يسقط حقه من اليمين وإنما أخرها.
وان قال أبرأتك من اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لان حقه لم يسقط بالابراء من اليمين، فإن استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التي أبرأه فيها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى، لما روى وائل بن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي هذا غلبني على أرض ورثتها من أبى، وقال الكندي أرضى وفى يدي أزرعها لا حق له