وإن حضر مسافرون ومقيمون في وقت واحد نظرت فإن كان المسافرون قليلا وهم على الخروج قدموا لان عليهم ضررا في المقام ولا ضررا على المقيمين وحكى بعض أصحابنا فيه وجها آخر أنهم لا يقدمون إلا بإذن المقيمين لتساويهم في الحضور، وظاهر النص هو الأول.
وإن كان المسافرون مثل المقيمين أو أكثر لم يجز تقديمهم من غير رضى المقيمين لان في تقديمهم إضرارا بالمقيمين والضرر لا يزال بالضرر، وإن تقدم إلى الحاكم اثنان فادعى أحدهما على الآخر حقا، فقال، المدعى عليه أنا جئت به وأنا المدعى قدم السابق بالدعوى، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل وللسابق بالدعوى حق السبق فقدم.
(فصل) وعلى الحاكم أن يسوى بين الخصمين في الدخول والاقبال عليهما والاستماع منهما، لما روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه ولفظه وإشارته ومقعده. وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبى موسى الأشعري: آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، ولأنه إذا قدم أحدهما على الآخر في شئ من ذلك انكسر الآخر ولا يتمكن من استيفاء حجته، والمستحب أن يجلس الخصمان بين يديه لما روى عبد الله بن الزبير قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي، ولان ذلك أمكن لخطابهما، وإن كان أحدهما مسلما والآخر ذميا ففيه وجهان:
(أحدهما) أنه يسوى بينهما في المجلس كما يسوى بينهما في الدخول والاقبال عليهما والاستماع منهما.
(والثاني) أنه يرفع المسلم على الذمي في المجلس لما روى أن عليا رضي الله عنه حاكم يهوديا في درع إلى شريح، فقام شريح من مجلسه وأجلس عليا كرم الله وجهه فيه، فقال علي عليه السلام لولا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسووا بينهم في المجالس لجلست معه بين يديك، ولا يضيف أحدهما دون