(فصل) والمستحب أن يجلس للحكم في موضع بارز يصل إليه كل أحد ولا يحتجب من غير عذر، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ولى من أمر الناس شيئا فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون فاقته وفقره والمستحب أن يكون المجلس فسيحا حتى لا يتأذى بضيقه الخصوم ولا يزاحم فيه الشيخ والعجوز وأن يكون موضعا لا يتأذى فيه بحر أو برد أو دخان أو رائحة منتنة، لان عمر رضي الله عنه كتب إلى أبى موسى الأشعري رضي الله عنه وإياك والقلق والضجر، وهذه الأشياء تفضى إلى الضجر وتمنع الحاكم من التوفر على الاجتهاد وتمنع الخصوم من استيفاء الحجة فإن حكم مع هذه الأحوال صح الحكم كما يصح في حال الغضب، ويكره أن يجلس للقضاء في المسجد لما روى معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وحدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم، ولان الخصومة يحضرها اللغط والسفه فينزه المسجد عن ذلك، ولأنه قد يكون الخصم جنبا أو حائضا فلا يمكنه المقام في المسجد للخصومة، فإن جلس في المسجد لغير الحكم فحضر خصمان لم يكره أن يحكم بينهما، لما روى الحسن البصري قال: دخلت المسجد فرأيت عثمان رضي الله عنه قد ألقى رداءه ونام فأتاه سقاء بقربة ومعه خصم فجلس عثمان وقضى بينهما، وإن جلس في البيت لغير الحكم فحضره خصمان لم يكره أن يحكم بينهما، لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان من الأنصار في مواريث متقادمة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما في بيتي.
(فصل) وان احتاج إلى أجرياء لاحضار الخصوم اتخذ أجرياء أمناء ويوصيهم بالرفق بالخصوم، ويكره أن يتخذ حاجبا، لأنه لا يؤمن أن يمنع من له ظلامة أو يقدم خصما على خصم، فان دعت الحاجة إلى ذلك اتخذ أمينا بعيدا من الطمع ويوصيه بما يلزمه من تقديم من سبق من الخصوم ولا يكره للامام أن يتخذ حاجبا. لان يرفأ كان حاجب عمر والحسن البصري كان حاجب عثمان وقنبر كان حاجب علي عليه السلام، ولان الامام ينظر في جميع المصالح فتدعوه الحاجة إلى أن يجعل لكل مصلحة وقتا لا يدخل فيه كل أحد.