كتاب الرسالة ألف الشافعي كتبا كثيرة، بعضها كتبه بنفسه وقرأه على الناس أو قرؤه عليه، وبعضها أملاه إملاء، وإحصاء هذه الكتب عسير، وقد فقد كثير منها. فألف في مكة، وألف في بغداد، وألف في مصر. والذي في أيدي العلماء من كتبه الآن ما ألفه في مصر، وهو كتاب (الأم) الذي جمع فيه الربيع بعض كتب الشافعي، وسماه بهذا الاسم، بعد أن سمع منه هذه الكتب، وما فاته سماعه بين ذلك، وما وجده بخط الشافعي ولم يسمعه بينه أيضا، كما يعلم ذلك أهل العلم ممن يقرؤن كتاب (الأم). و (كتاب اختلاف الحديث) وقد طبع بمطبعة بولاق بحاشية الجزء السابع من الأم. و (كتاب الرسالة). وهما مما روى الربيع عن الشافعي منفصلين، ولم يدخلهما في كتاب (الأم).
ولمناسبة الكلام عن كتب الشافعي وكتاب الأم خاصة، يجدر بنا أن نقول كلمة فيما أثاره صديقنا الأديب الكبير الدكتور زكي مبارك حول كتاب (الأم) منذ بضعة أعوام، فقد تعرض للجدل في هذا الكتاب، عن غير بينة ولا دراسة منه لكتب المتقدمين وطرق تأليفهم، ثم طرق رواية المتأخرين عنهم لما سمعوه، فأشبهت عليه بعض الكلمات في (الأم) فظنها دليلا على أن الشافعي لم يؤلف هذه الكتب. واستند إلى كلمة رواها أبو طالب المكي في أخذه الربيع بعد موته فادعاه لنفسه. ثم جادل الدكتور زكي مبارك في هذا جدالا شديدا، وألف فيه كتابا صغيرا، أحسن ما فيه أنه مكتوب بقلم كاتب بليغ، والحجج على نقض كتابه متوافرة في كتب الشافعي نفسها. ولو صدقت هذه الرواية لارتفعت الثقة بكل كتب العلماء، بل لارتفعت الثقة بهؤلاء العلماء أنفسهم، وقد رووا لنا العلم والسنة، بأسانيدهم الصحيحة الموثوق بها، بعد أن نقد علماء الحديث سير الرواة وتراجمهم، ونفوا رواية كل من حامت حول صدقه أو عدله شبهة، والربيع المرادي من ثقات الرواة عند المحدثين، وهذه الرواية فيها تهمة له بالتلبيس والكذب، وهو أرفع قدرا وأوثق أمانة من أن نظن به أنه يختلس كتابا ألفه البويطي ثم ينسبه لنفسه، ثم يكذب على الشافعي في كل ما يروى أنه من تأليف الشافعي، بل لو صح عنه بعض هذا كان من أكذب الوضاعين وأجرئهم على الفرية!! وحاش لله أن يكون الربيع الا ثقة أمينا. وقد رد مثل هذه الرواية أبو الحسين الرازي الحافظ محمد بن عبد الله بن جعفر المتوفى سنة 347، وهو والد الحافظ تمام الرازي، فقال: " هذا لا يقبل، بل