وعلى كل حال، فقد استمر الخلاف الوضوئي باحتدام وشدة، فكان المحدثون من أصحاب مدرسة التعبد المحض لا يرون إلا الوضوء النبوي الثنائي المسحي، وكانت الدولة وأتباعها - من فقهاء منع التحديث، ومن مدرسة الاجتهاد والرأي - لا ترى إلا الوضوء العثماني الثلاثي الغسلي.
وحين حصرت الدولة العباسية المذاهب الإسلامية بالمذاهب الأربعة - وهي جميعا من مدرسة الاجتهاد والرأي - ودونت آراؤهم الفقهية، كان من ضمنها الوضوء العثماني، الذي أكدوا عليه أي تأكيد، واختلفوا في فروضه وسننه وآدابه وكيفيته أشد الاختلاف مما يقف عليه المطالع في كتبهم الفقهية، فاتسعت الفجوة اتساعا كبيرا بحيث تعسر ويتعسر رأبها، فصار الوضوءان خطين متوازيين لا يلتقيان.
نهاية المطاف من كل ما تقدم تتجلى حقيقة في غاية الأهمية والوضوح، مفادها أن المعارضين للوضوء العثماني لم يكونوا قد بزغوا بزوغا مفاجئا فظهروا على الساحة الفقهية الإسلامية ظهورا غير متوقع، بل العكس هو الصحيح، وذلك لتسلسل حلقات الاجتهادات في مقابل الكتاب والسنة من جانب، وتسلسل حلقات المعارضة للتدوين والتحديث من جانب آخر من قبل الخلفاء، وبقي إصرار جم غفير من عيون الصحابة على مواصلة التدوين والتحديث، ومن ثم لجوء المانعين إلى فتح باب الاجتهاد والرأي، وبقاء المتعبدين على تعبدهم المحض ومنعهم من العمل بالاجتهاد والرأي (1).
لأن فتح أبي بكر وعمر لباب الرأي والاجتهاد لأنفسهما هو الذي فتح من بعدهما لعامة الصحابة ذلك، فكانت تلك نتيجة طبيعية لسدهما باب التدوين والتحديث والذهاب إلى شرعية التعددية وحجية الآراء.
وكان إعطاء عمر زمام اختيار الخليفة الثالث في الشورى بيد عبد الرحمن بن