وأنت ترى أن مواقف هؤلاء الأعاظم من الأنصار كان المسح لا الغسل، وهو يوضح لنا سر انتساب الغسل إلى عبد الله بن زيد بن عاصم المغمور دون غيره.
والعجب أنهم يعدونه صاحب حديث الوضوء مع أنه كان له من العمر. حين وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) 17 عاما فقط، ولم يعطو هذا اللقب لغيره من كبار الصحابة وقديمي الصحبة وأقرباء النبي وخاصته.
في حين نعلم أن الصلاة افترضت قبل الاسراء (1)، وقد افترضت الصلاة على النبي بعد نزول الوحي، وحين افترضت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل وهو بأعلى مكة، فهمز بعقبة في ناحية الوادي، فانفجرت منه عين، فتوضأ جبرئيل ورسول الله ينظر إليه، ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله كما رأى جبرئيل توضأ (2).
وفي هذا الصدد قال محقق سيرة ابن هشام: فالوضوء على هذا الحديث مكي بالفرض مدني بالتلاوة، لأن آية الوضوء مدنية (3) فلو صح هذا فلماذا يختص عبد الله بن زيد بهذا اللقب دون غيره من الصحابة؟
وما يعني هذا؟ نعم نحن لو تابعنا السير التاريخي للوضوء لعرفنا بصمات الفقه القرشي عليه.
إن التثليث في غسل الأعضاء وغسل الأرجل كان المدار الأول للاختلاف بين المسلمين في عهد عثمان بن عفان، ثم تطور حتى رأينا ابن عمر يغسل رجليه سبع مرات وكان يعتبر الوضوء هو الانقاء، وأن أبا هريرة كان يطيل غرته بغسل ساقيه، حتى وصل الأمر بمعاوية أن يتوضأ للناس، فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه (4).
والباحث لو تأمل في الوضوءات البيانية عن رسول الله لم يشاهد زيادة (مسح الرأس مقبلا ومدبرا) عن أحد من الصحابة إلا عن عبد الله بن زيد بن عاصم والربيع