فهذا الانسجام في روايات المسح، والشذوذ في روايات الغسل يرجح نسبة الخبر المسحي إلى علي ويحكم بصحته وملائمته للوقائع ولرفض الاجتهاد والرأي، كما يحكم بصحة انتساب الوضوء الغسلي إلى عثمان بن عفان فقط، لشذوذه عن السير الطبيعي للحدث الوضوئي ولفقه المسلمين، ولملائمته لمدرسة عثمان القائلة ب " رأي رأيته "، كما أنه يلائم نفسيته التي نص عليها، حيث كان متنظفا حتى أنه كان يتوقى وصول غبار بناء مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أنفه في المدينة (1).
الوضوءان بين الاضطهاد والانفراج:
وهناك نكتة أخرى تؤيد صحة انتساب الوضوء المسحي إلى علي بالخصوص، وابن عباس وأنس بن مالك، وأن الوضوء الغسلي نشأ وترعرع تحت أنظار سلطة عثمان والسلطة الأموية والعباسية من بعد، تلك النكتة هي أن المسحيين عاشوا مرحلة الاضطهاد، لأنهم لم يكونوا على وفاق مع السلطة في تفكيرهم وسياستهم، وآثار هذا الضغط السلطوي لم تنفك عنها نصوص الوضوء المسحي ولا رواده، لأن الكثير من الصحابة كانوا لا يجرؤون على التصريح بما أثروه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، كما في خوف عمار من عمر في التيمم، وكما في ضرب عثمان لعمار وابن مسعود، فمن المحتمل جدا أن يكون الكثير من المسحيين قد قضوا أعمارهم ولم تصل أصواتهم إلينا، يؤيد ذلك أن أشهر ثلاثة أعلام من عظماء الصحابة الذين حملوا لواء مدرسة المسح، كانوا ممن امتد بهم العمر وانفسح لهم المجال لنشر التحديث بالوضوء.
فروايات علي (عليه السلام) المسحية صادرة في زمان خلافته وفي رحبة الكوفة، بعد أن كان مبسوط اليد، مرفوعا عنه الحصار الفكري، فراح يقوم الاعوجاج الحاصل في الوضوء، ويروي للناس وضوء النبي (صلى الله عليه وآله)، ويفند الرأي وما اخترعه الرأي من محدثات.
وعين هذا الكلام يأتي في مرويات ابن عباس، فإنها كانت صادرة بعد استشهاد الإمام علي وقبل استشهاد الإمام الحسين كما أثبتنا ذلك في المدخل (2)، وهي حالة