للخبث! وهذا فيه أوضح إشارة إلى أن هذا الوضوء استحكم بعد التدوين في زمن ابن عبد العزيز ولم يكن له ماله الآن من مرويات وأتباع...
وعلى أي حال فإن روايات المسح فيها تحديد لأطراف النزاع، وهذا التحديد يخدمنا في معرفة رموز الطرفين، فإن الربيع والحجاج من سلك الاجتهاد والرأي ومن المعدودين في جانب الحكومات، وأما ابن عباس وأنس بن مالك والسجاد، وابن عقيل فهم من سلك التعبد المحض - في هذه المفردة - ومن المضطهدين من قبل السلطات.
وهذا التصريح لا نجده أبدا في روايات الغسل، فإنها تنقل الغسل ساكتة غير مصرحة بالمخالفين لذلك، بل الذي رأيناه في روايات عثمان هو تعمد الإبهام للمخالفين بمثل قولهم: " إن ناسا " و: " حدثت أن عثمان اختلف في خلافته في الوضوء ". وأما روايات الإمام علي فإنها أكدت على جملة " وهذا وضوء من لم يحدث "، وهي وإن كانت شاملة لكل المحدثين في الوضوء، إلا أنها ربما يظهر منها التعريض بعثمان بن عفان، لأنه أول من سن الخلاف في الوضوء كما عرفت، فتكون رواية الإمام محددة لمنشأ الوضوء الغسلي المحدث، وأنه عثمان بن عفان، والتعريض هنا أبلغ من التصريح كما لا يخفى، لاقتضاء المقام البلاغي ذلك حفاظا على وحدة المسلمين.
نصوص الوضوء والسير الطبيعي:
وفي مماشاة لسير الأحداث الوضوئية يتبين لنا صدق انسجام الوضوء المسحي مع سير السيرة النبوية في الوضوء، ونفار الوضوء الغسلي عن هذه السيرة وبروزه بشكل مفاجئ في غير مقطعه الزمني، مما يدل على حداثته وبروزه في وقت متأخر.
ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) علم المسلمين جميع ضروريات دينهم، وما مات حتى بين لهم معالم دينهم، فعلم الصحابة ذلك وكانوا يعلمون من لم ير النبي أيضا، وبقي هذا المجتمع الذي بناه النبي (صلى الله عليه وآله) بلا نزاع ولا خلاف في الوضوء، فعبرت الأحداث زمان ولم يستجد ما يوجب الاختلاف سوى حروب الردة التي سرعان ما انتهت واندثرت.
ثم جاء زمن خلافة عمر بن الخطاب، فكثرت الفتوح بشكل غير مجرى التاريخ، فافتتح المسلمون بلاد فارس وبلاد الروم، وتوسعت رقعة الدولة الإسلامية،