فصار الناس من سائر الأمم يدخلون في دين الإسلام أفواجا أفواجا، وجئ بالأسارى الذي صاروا موالي للمسلمين واختلطوا معهم، وأسلم الكثير منهم بعد اطلاعهم على دين الإسلام.
فكان منطق الأحداث يقتضي هنا بروز وشيوع أحاديث الوضوء التعليمي، لأن الداخلين الجدد في الإسلام كان لا بد لهم من الصلاة، ولا صلاة إلا بطهور، فمن المقطوع به أن يسألوا الصحابة عن كيفية الوضوء وتفاصيله وجزئياته، ليؤدوا فرائض الله، وهنا لا بد أن يتجلى دور الصحابة في روايات الوضوء، وكان المفروض أن يبرز الخلاف بينهم لو كان ثمة خلاف بينهم فيه، ولكننا ما رأينا قط وقوع خلاف وضوئي آنذاك، مما يعني أن الداخلين الجدد كانوا قد تلقوا وضوءا واحدا لا خلاف فيه وإلا لبرز.
وما أن تسلم عثمان أزمة الأمور حتى برز الوضوء الثلاثي الغسلي مقرونا بصرخات الاختلاف من أناس لم يرتضوه، فكأنه ولد معارضا من أناس أثبتنا أنهم من علية الصحابة، وهذا الانبثاق المفاجئ المعارض بنقول صحابة آخرين وبنص القرآن الكريم، لا يتلائم مع سير الأحداث كما عرفت. لأن الوضوء ليس بالأمر الخفي ولا بالحكم المجهول.
هذا الإحداث والإبداع للوضوء الجديد خلق حالة ارتباك في ذهنية المسلمين، فانشطروا إلى مثلثين غاسلين تبعا لعثمان، ومثنين ماسحين بقاء على ما كان، وبما أن الكوفة كانت - لقربها من بلاد فارس ولاتخاذ علي لها عاصمة لخلافته - مشحونة بالعجم والموالي والمسلمين الحديثي عهد بالاسلام الذين التبس عليهم أمر الوضوء نتيجة الملابسات التي خلقها عثمان، وجدنا النصوص التعليمية عن علي بن أبي طالب في الكوفة وفي الرحبة، وعند الصلاة، وبعد سؤال سائل، وكلها تحمل ردودا على إعمال الرأي في الوضوء، وتؤكد أن المسح هو السنة النبوية، كما أنها تعرض بالمحدث لهذا الخلاف وهو عثمان بن عفان، فجاءت النصوص عن علي في وقتها الطبيعي وبعد حدوث الاختلاف قطعا في زمان عثمان، وهذه الحالة طبيعية جدا ومتماشية مع سير الأحداث.