مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٢٩
لأمر هو أصله، كما أنه من وجه اخر أصل لاصله (1)، وان حقيقته ممدة أصوله كلها و ما جمعتها، وتحقق ذلك مع علمه بما مر من استحالة تأثير شئ في سواه راقب نفسه، فمتى ظهر اثر في حقيقة ما من حقائق نسخة وجوده وقواه أو عضو من أعضائه أو ما كان منه، نسبه إلى أصله، لمعرفته بمنبعه ومحتده، وهكذا حكمه مع كل شئ يقصد هو التأثير فيه ينظر إلى محل انصباغه ومرتبته من نسخة وجوده، فيقصده بالتوجه من حيث الرقيقة الرابطة بينهما على نمط خاص بجمعية يستدعيها ربوبية ذلك الشئ المراد بالتأثير، فينفعل بموجب حكم ما انصبغ به التوجه من المؤثر بحسب مرتبته.
وهنا سر سأنبهك عليه واختم به الكلام على هذا الفصل، وهو: ان اثر الأسماء والحقائق غير صورها ومظاهرها، وروح الصور الحسية والمثالية هي تلك الحقائق، ويعرف كل حقيقة وحكمها من صورتها بمشيئة الحق، ويذهب حكم كل واحد منهما بذهابه، فافهم واحمد الله.
واما الفرق بين الأثر الواصل من مقام الجمع والواصل مما دونه، فتعرفه بان ترى حالك عند التأثر من وارد أو غيره، فان حصل الانفعال للصورة الظاهرة فحسب، فمحتد الامر الوارد أو الأثر مرتبة الاسم الظاهر وأخواته، وقد مر ذكر الجميع. وان انفعل الباطن دون الظاهر أو كان انفعال أحدهما تبعا وفي ثاني حال، فالحكم لمن ظهرت أوليته على اختلاف مراتبها الجزئية والكلية ومظاهرها الروحانية والمثالية والحسية والطبيعية.
ومتى اختص بالباطن وعمم حكمه الدائرة الروحانية، وقع الصعق لا محالة وخدر الظاهر حينئذ انما هو بخاصية الارتباط أو سريان حال الروح لقوته في البدن بشدة الملائمة، لتجوهر تلك الصورة وتنورها ولاعراض الروح عن تدبير البدن بقصد وبدونه.
وقولي: بدونه: تنبيه على أن الصعق لما كان في الحقيقة عبارة عن غيبة الروح

(1) - كالعلة الغائية فإنها أصل من وجه وفرع من وجه (الحاشية)
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست