مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ٧٧
فصل في سر الدعاء واحكامه وأمهات لوازمه اعلم أن الانسان في كل وقت وحال يستدعى لفقره وحاجته الذاتية والصفاتية من الحق سبحانه أمرا ما لا بد عن ذلك، ومن شأن ذلك الامر ان يكون مناسبا لتوجهه التابع لعلمه واعتقاده ومزاجه وحاله النفساني والطبيعي الجسماني، والغالب حكمه مما تركب من ذلك وتولد عنه حال الطلب، والغرض الأصلي - علم أو لم يعلم - هو حصول ما يحتاج إليه الطالب في وجوده وأسباب بقاء وجوده لتحصيل الكمال الذي يمكنه تحصيله كان ما كان، وتعيين (1) الطلب الخاص بغالب حكم بعض الحقائق والاجزاء الانسانية دون سواها مما اشتملت عليه ذات الانسان، هو حقيقة الدعاء المعين على أي وجه وبأي لسان كان، وتعين (2) علم الحق سبحانه واثره في حق الطالب باعتبار ما منه هو الإجابة، فما منه سبحانه متعين بحسب ما منك هذا، وإن كان ما منك مما تقبل به منه عز وجل هو أيضا بعض صور شؤون غيب ذاته، وقد يقال ملابس أسمائه وصفاته، فكل ما يصدر من الحضرة ويبرز من الغيب الإلهي فإنه يتعين بحسب طلب الطالب واستدعائه واستعداده.
والاستدعاء على ضروب، وهى على قدر ما تحوى عليه ذات الطالب ونشأته من القوى والحقائق واحكام المراتب، فان بها صح له (3) ان يكون مظهرا لتلك المراتب و مجمعا لتلك (4) القوى والصفات والحقائق حالة طلبه وجمعه ومظهريته، فافهم.
ولما كان الانسان نسخة جامعة كل أمر وصورة وجوده خزانة حاوية كل سر ودائرة محيطة من حيث المعنى والصورة والمرتبة بكل شئ، اقتضى (5) الامر ان يكون له بحسب

(1) - مبتداء خبره قوله: هو حقيقة الدعاء، وهو بيان ما ينشئ منه الطلب - ش (2) - مبتداء خبره قوله:
هو الإجابة - ش (3) - أي للطالب - ش (4) - أي بتلك النشأة المخصوصة - ش (5) - جواب لما - ش
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست