مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٣٠
وذهوله عن نفسه، تعطل منصب تدبيره، واما الاعراض فقد يكون لموجب اخر غير الذهول، كالتفاته إلى غير ما كان مقبلا عليه بالتدبير.
ثم نقول: وان عم الانفعال ظاهرا وباطنا وحصل الفناء التام، فالامر حينئذ يختص بحضرة الجمع، إذ مجموع الانسان لا ينفعل الا لهذه المرتبة أو مظهرها من أمثاله، لتحقق المحاذاة والمضاهاة القاضين بكمال الأثر وشموله، وقد أسلفنا ان شيئا ما لا ينفعل لسواه من حيث مضادته وبينا سره فاذكر.
واعلم أن ما عدا ما ذكرنا هنا من التأثير بهذا اللسان فهو تأثير جزئي في مثله، وما عدا الانسان الكامل ممن يسمى انسانا فإنما يوصف بالكلية - ان وصف من حيث ظاهر مرتبة صورته - والا فهو جزئي من حيث مرتبته ومعناه، فان انفعل لجزئي مثله فغير مستنكر، واما ما يجتمع من اثر الظاهر والباطن، فإنه يعرف بالغاية والأغلبية، والاعتبار في جميع ذلك لأول ما يؤثر وأول ما يتأثر، واما تبعية الباقي بالتدريج وفي ثاني حال، فلموجب الارتباط وحكم الأصل الجامع الساري في الأشياء الذي فيه ومن حيث هو يتحد الأشياء، فلا يتعدد - وقد مر حديثه -.
واما الفرق بين الاستعداد الكلى والاستعدادات الجزئية: فالكلي ما به قبلت الوجود من الحق حال تعيين الإرادة لك من بين الممكنات وتوجه الحق نحوك للايجاد وما تلبست به بعد من الأحوال الوجودية، فكل منها يعدك لما يليه كما قال الله تعالى: لتركبن طبقا عن طبق (19 - الانشقاق) أي حالا هو متولد عن حال، والكلى الذي به قبلت وجودك الأول ليس وجوديا بل هو حالة غيبية لعينك الثابتة، وما سواه من الاستعدادات الجزئية المشار إليها فوجودية كما عرفت، وسأزيدك بيانا بلسان آخر.
فأقول: انظر إلى ما يحصل لك، فان تعلق حكمه بك على وجه ومن نسبة يمكن انتقاله
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست