مفتاح الغيب - أبي المعالي القونوي - الصفحة ١٢١
ولا يصح نسبته في الحقيقة الا لما بطن من كل ما ظهر، ونسبة الظهور والبطون تتعينان بمدارك المدركين وبحسب أحوالهم، وبالمدرك الواحد أيضا إذا اختلفت أحوال صاحبه كان من كان، وكل ما لا يدركه المدرك بذاته، بل بصفة أو حالة متعينة ومنضبطة أو آلة، فللمدرك - اسم مفعول - ضرب من التعين والظهور لا محالة، فهو من وجه مجلي ومظهر كما مر، فافهم واذكر.
وما يدركه الانسان بمحض حقيقته دون ضميمة صفة متعلقة أو حالة متعينة أو آلة، فقد يكون متعينا وقد يكون مطلقا عن حصر التعين والانضباط، لكمال بساطته وصرافته وتنزهه عن حيطة المدارك والتناهي، وانما أمكن هذا النوع من الادراك للانسان لان أحد وجهي حقيقته التي هي مراة الحضرتين الإلهية والمسماة كونية هذا الحكم، فيدرك بالمحاذاة الصحيحة وزوال الحجب الحائلة بينه وبين ما شأنه ما ذكر بما شأنه ما ذكر من نفسه، كما سننبه عليه عن قريب إن شاء الله.
وبعد ان علمت بما فهمت ان الأثر لما بطن فيما ظهر منه وفيه فاعلم: ان كل ما تعدد فهو تفصيل حكم أحوال الحق ظهرت في وجوده، مع أن ما بطن من حيث وحدته عين الوجود أيضا، لكن دون تعين بمظهر، فافهم ما ذكر لك وأضفه إلى ما سبق ذكره آنفا وفي أول الكتاب، تعرف الأثر وسره والمؤثر والمتأثر ولمن تصح نسبته ومتى تصح ومن أي وجه يمكن ومن ايه لا، وتعرف سر قول من قال: إن الحق قادر بالذات وان قدرته عين ذاته.
ومن زعم أن القدرة غير وزائدة، ومن أثبت الافعال للعباد ومن نفاها.
وترى حينئذ - ان عرفت ما ذكر لك حق المعرفة - إصابة كل طائفة من وجه، مع رؤيتك انه قد فاتها جلية الامر ومعرفة علته وسببه، تعرف أيضا عذر أصحاب
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست