وبين أبي بكر الخوارزمي ما كان سببا لهبوب ريح الهمذاني وعلو أمره وقرب نجحه وبعد صيته إذ لم يكن في الحسبان والحساب أن أحدا من الأدباء والكتاب والشعراء ينبري لمباراته ويجترئ على مجاراته فلما تصدى الهمذاني لمساجلته وتعرض للتحكك به وجرت بينهما مكاتبات ومباهاة ومناظرات ومناضلات وأفضى السنان إلى العنان وفرع النبع بالنبع وغلب هذا قوم وذاك آخرون وجرى من الترجيح بينهما ما يجري بين الخصمين المتحاكمين والقرنين المتصاولين طار ذكر الهمداني في الآفاق وارتفع مقداره عند الملوك والرؤساء وظهرت أمارة الإقبال على أموره وأدر له أخلاف الرزق وأركبه أكناف العز وأجاب الخوارزمي داعي ربه فخلا للهمذاني وتصرفت به أحوال جميلة وأسفار كثيرة ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها وجنى وجبى ثمرتها واستفاد خيرها وميرها ولا ملك ولا أمير ولا وزير ولا رئيس إلا استمطر منه بنوء وسرى معه في ضوء ففاز برغائب النعم وحصل على غرائب القسم وألقى عصاة بهراة واتخذها دار قراره ومجمع أسبابه وما زال يرتاد للوصلة بيتا يجمع الأصل والفضل والطهارة والستر والقديم والحديث حتى وفق التوفيق كله وخار الله له في مصاهرة أبي علي الحسين بن محمد الخشنامي وهو الفاضل الكريم الأصيل الذي لا يزاد اختبارا إلا زيد اختيارا فانتظمت أحوال أبي الفضل بصهره وتعرفت القرة في عينه والقوة في ظهره واقتنى بمعونته ومشورته ضياعا فاخرة وأثر معيشة صالحة وثروة ظاهرة وعاش عيشة راضية وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة ناداه الله فلباه وقدم على آخرته وفارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة فقالمت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرتها وجبهة الدهر غرتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم
(٢٩٥)