فلما شارف المقصد قضى نحبه ولقي بصحيفته السوداء ربه 32 - أبو محمد المطراني الحسن بن علي بن مطران شاعر الشاش وحسنتها وواحدها فإنها وسائر بلاد ما وراء النهر لم تخرج مثله إلا أبا عامر إسماعيل بن أحمد بعده وكان ابن مطران بخير وحسن حال يرد الحضرة بالمدح وينصرف بالمنح ويتصرف في أعمال البرد بما يرتفق به ويرتزق منه وشعره مدون كثير اللطائف حدثني السيد أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي قال كنت ببخارى كثيرا ما تجمعني وابن مطران فأرى رجلا مضطرب الخلقة من أجلاف العجم فإذا تكلم حكى فصحاء العرب على حبسة يسيرة في لسانه وكان يجمع بين أدب الدرس وأدب النفس وأدب الأنس فيطرب بنثره كما يطرب بشعره ويؤنس بهزله كما يؤيس بجده وقد عيره اللحام في بعض أهاجيه وكان بينهما سوق السلاح قائمة فيتهاجيان ويتهاتران ولا يكادان يصطلحان وكان اللحام يربي عليه في الهجاء ولا يشق غباره في سائر فنون الشعر وبلغني أن ديوان شعر ابن مطران حمل إلى حضرة الصاحب فأعجب به فقال ما ظننت أن ما وراء النهر يخرج مثله ومر له في الشراب المطبوخ (وراح عذبتها النار حتى * وقت شرابها نار العذاب) (يذيب الهم قبل الحسو لون * لها في مثل ياقوت مذاب) (ويمنحها المزاج لهيب خد * تشرب ماؤه ماء الشباب) من الوافر فتعجب من حسن البيت الأول وتحفظه وكان كثيرا ما ينشده ويقول
(١٣٢)