وبيتاك لا يلتئم شطراهما كما ليس يلتئم شطرا هذين البيتين وكان ينبغي لامرئ القيس أن يقول (كأني لم أركب جوادا ولم أقل * لخيلي كري كرة بعد إجفال) (ولم أسبأ الزق الروي للذة * ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال) ولك أن تقول (وقفت وما في الموت شك لواقف * ووجهك وضاح وثغرك باسم) (تمر بك الأبطال كلمي هزيمة * كأنك في جفن الردى وهو نائم) فقال أيد الله مولانا إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا كان أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا ومولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزاز معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جميلته وتفاريقه لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه ولما كان وجه الجريح المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت (ووجهك وضاح وثغرك باسم) لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتسع اللفظ لجميعها فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصلات وفيها خمسمائة دينار وكان أبو بكر وأبو عثمان الخالديان من خواص شعراء سيف الدولة فبعث إليهما مرة وصيفة ووصيفا ومع كل واحد منهما بدرة وتخت من ثياب مصر فقال أحدهما من قصيدة طويلة وهي (لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا * إلا ومالك في النوال حبيس)
(٤٤)