هذا من أحسن ما قيل في وصف الشعر السائر وأبلغ منه قول علي بن الجهم حيث قال (ولكن إحسان الخليفة جعفر * دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر) (فسار مسير الشمس في كل بلدة * وهب هبوب الريح في البر والبحر) من الطويل فليس اليوم مجالس الدرس أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الأنس ولا أقلام كتاب الرسائل أجرى به من ألسن الخطباء في المحافل ولا لحون المغنين والقوالين أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين وقد ألفت الكتب في تفسيره وحل مشكله وعويصه وكثرت الدفاتر على ذكر جيده ورديئه وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه وتفرقوا فرقا في مدحه والقدح فيه والنضح عنه والتعصب له وعليه وذلك أول دليل دل على وفور فضله وتقدم قدمه وتفرده عن أهل زمانه بملك رقاب القوافي ورق المعاني فالكامل من عدت سقطاته والسعيد من حسبت هفواته وما زالت الأملاك تهجي وتمدح وأنا مورد في هذا الباب ذكر محاسنه ومقابحه وما يرتضى وما يستهجن من مذاهبه في الشعر وطرائقه وتفصيل الكلام في نقد شعره والتنبيه على عيونه وعيوبه والإشارة إلى غرره وعرره وترتيب المختار من قلائده وبدائعه بعد الأخذ بطرف من طرق أخباره ومتصرفات أحواله وما تكثر فوائده وتحلو ثمرته ويتميز هذا الباب به عن سائر أبواب الكتاب كتميزه عن أصحابها بعلو الشأن في شعر الزمان والقبول التام عند أكثر الخاص والعام
(١٤٠)