نفسها. ففيما كان للإنسان مثلا تمتع في إماتة حق من حقوق الغير ولا رادع يردعه ولا مجازي يجازيه ولا لائم معاتب يلومه ويعاتبه، فأي مانع يمنعه في اقتراف الخطيئة وارتكاب المظلمة وإن عظمت ما عظمت؟ وأما ما يتوهم - وكثيرا ما يخطئ فيه الباحث - من الروادع المختلفة كالتعلق بالوطن وحب النوع والثناء الجميل ونحو ذلك، فإنما هي عواطف قلبية ونزوعات باطنية لا سبب حافظا عليها إلا التعليم والتربية من غير استنادها إلى السبب الموجب فهي إذن أوصاف اتفاقية وأمور عادية لا مانع معها يمنع من زوالها فلماذا يجب على الانسان أن يفدي بنفسه غيره، ليتمتع بالعيش بعده وهو يرى أن الموت فناء وبطلان؟ والثناء الجميل إنما هو في لسان آخرين ولا لذة يلتذ به الفادي بعد بطلان ذاته.
وبالجملة لا يرتاب المتفكر البصير في أن الانسان لا يقدم على حرمان لا يرجع إليه فيه جزاء ولا يعود إليه منه نفع، والذي يعده ويمنيه في هذه الموارد ببقاء الذكر الحسن والثناء الجميل الخالد والفخر الباقي ببقاء الدهر، فإنما هو غرور يغتر به وخدعة ينخدع بها بهيجان إحساساته وعواطفه فيخيل إليه انه بعد موته وبطلان ذاته حاله كحاله قبل موته فيشعر بذكره الجميل فيلتذ به وليس ذلك إلا من غلط الوهم كالسكران يتسخر بهيجان إحساساته فيعفو ويبذل من نفسه وعرضه وماله أو كل كرامة له ما لو يقدم عليه لو صحا وعقل، وهو سكران لا يعقل ويعد ذلك فتوة وهو سفه وجنون.
فهذه العثرات وأمثالها مما لا حصن للإنسان يتحصن فيه منها غير التوحيد الذي ذكرناه ولذلك وضع الاسلام الأخلاق الكريمة التي جعلها جزءا من طريقته الجارية على أساس التوحيد الذي من شؤونه القول بالمعاد، ولازمه أن يلتزم الانسان بالاحسان ويجتنب الإساءة أينما كان ومتى ما كان سواء علم به أو لم يعلم، وسواء حمده حامد أو لم يحمد، وسواء كان معه