واتساعا في السعادة فما حاجتهم إلى تحول السنة الاجتماعية زائدا على ذلك؟ ومجرد وجوب التحول على الانسان من كل جهة حتى فيما لا يحتاج فيه إلى التحول مما لا ينبغي أن يقضي به ذو نظر وبصيرة.
فإن قلت: لا مناص من عروض التحول في جميع ما ذكرت، أنه مستغن عنه كالاعتقادات والأخلاق الكلية ونحوها فأنها جميعا تتغير بتغير الأوضاع الاجتماعية والمحيطات المختلفة، ومرور الأزمنة، فلا يجوز أن ينكر أن الانسان الجديد تغاير أفكاره أفكار الإنسان القديم، وكذا الانسان يختلف نحو تفكره بحسب اختلاف مناطق حياته كالأراضي الاستوائية والقطبية، والنقاط المعتدلة، وكذا بتفاوت أوضاع حياته من خادم ومخدوم وبدوي وحضري ومثر ومعدم، وفقير وغني، ونحو ذلك فالأفكار والآراء تختلف باختلاف العوامل وتتحول بتحول الأعصار بلا شك كائنة ما كانت.
قلت: الإشكال مبني على نظرية نسبية العلوم والآراء الانسانية، ولازمها كون الحق والباطل والخير والشر أمورا نسبية إضافية فالمعارف الكلية النظرية المتعلقة بالمبدأ والمعاد وكذا الآراء الكلية العملية كالحكم بكون الاجتماع خيرا للإنسان، وكون العدل خيرا (حكما كليا لا من حيث انطباقه على المورد) تكون أحكاما نسبية متغيرة بتغير الأزمنة والأوضاع، والأحوال، وقد بينا في محله فساد هذه النظرية من حيث كليتها.
وحاصل ما ذكرناه هناك أن النظرية غير شاملة للقضايا الكلية النظرية وقسم من الآراء الكلية العملية.
وكفى في بطلان كليتها أنها لو صحت (أي كانت كلية - مطلقة - ثابتة) أثبتت قضية مطلقة غير نسبية وهي نفسها، ولو لم تكن كلية مطلقة، بل قضية جزئية أثبتت بالاستلزام قضية كلية مطلقة فكليتها باطلة على أي حال،