أنهم كانوا وفقوا لإقامة هذه السنة وإذا لم تكن الحكومات الاسلامية تغمض في أمر الزنا وسائر الفواحش هذا الإغماض الذي ألحقها تدريجا بالسنن القانونية، وامتلأت بها الدنيا فسادا ووبالا.
وأما قوله: وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية، ولكن فشو الزنا كان في الإماء دون الحرائر ظاهرة أن مراده بالفاحشتين الزنا وشرب الخمر، وهو كذلك إلا أن كون الزنا فاشيا في الإماء دون الحرائر مما لا أصل له يركن إليه فإن الشواهد التاريخية المختلفة المتفرقة تؤيد خلاف ذلك كالأشعار التي قيلت في ذلك، وقد تقدم في رواية ابن عباس أن أهل الجاهلية لم تكن ترى بالزنا بأسا إذا لم يكن علنيا.
ويدل عليه أيضا مسألة الإدعاء والتبني الدائر في الجاهلية فإن الادعاء لم يكن بينهم مجرد تسمية ونسبة بل كان ذلك أمرا دائرا بينهم يبتغي به أقوياؤهم تكثير العدة والقوة بالإلحاق، ويستندون فيه إلى زنا ارتكبوه مع الحرائر حتى ذوات الأزواج منهن، وأما الإماء فهم ولا سيما أقوياؤهم يعيبون الاختلاط بهن، والمعاشقة والمغازلة معهن، وإنما كانت شأن الإماء في ذلك أن مواليهن يقيمونهن ذلك المقام اكتسابا واسترباحا.
ومن الدليل على ما ذكرناه ما ورد من قصص الإلحاق في السير والآثار كقصة إلحاق معاوية بن أبي سفيان زياد بن أبيه لأبيه أبي سفيان، وما شهد به شاهد الأمر عند ذلك ، وغيرها من القصص المنقولة.
نعم ربما يستشهد على عدم فشو الزنا بين الحرائر في الجاهلية بقول هند للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيعة: وهل الحرة تزني؟ لكن الرجوع إلى ديوان حسان، والتأمل فيما هجا به هندا بعد وقعتي بدر واحد يرفع اللبس ويكشف ما هو حقيقة الأمر .