فهمها للإسلام وبين الإسلام، فهما وجهان لعملة واحدة، مع أن الإسلام من صنع الله، وفهم الأحزاب للإسلام من إنتاجها، كما تحاول بكل قواها أن تثبت للناس بأن التاريخ السياسي الإسلامي الذي صنعه البشر من بعد وفاة النبي (ص) وحتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان هو عينه النظام السياسي الإسلامي الذي أنزله الله على عبده لترشيد الحركة السياسية للمجتمع البشري، وهي جادة في ما تقول وجادة فيه، مع أنها بعملها هذا قد خلطت الفهم بالمفهوم، وقدمت التابع على المتبوع، والفرع على الأصل، واستبدلت المنظومة الحقوقية الإلهية بالاجتهادات التي نشأت في ظلالها، ولم تتكلف الأحزاب الدينية العربية بذلك، إنما ضاق صدرها بالرأي الإسلامي المخالف، وحاولت بكل الوسائل أن تخنقه، وهي مع ذلك تدعي الانفتاح على الفكر العالمي، وتعد بإعطاء الحرية له ولأربابه ليعرضوا فكرهم في الوقت الذي تخنق فيه هذه الأحزاب الرأي الإسلامي المعارض لها، وتمنع أصحابه من التصريح به، فكيف يصدق بربك العالم ادعاءات هذه الأحزاب بالانفتاح؟
هكذا قدمت الأحزاب الدينية العربية الإسلام للعالم الحديث، فالإسلام الذي جاء لينقذ الجنس البشري كله، ويتسع به كله، ويشبع حاجاته وآماله كلها، يضيق على أبنائه ويضيق حتى بهم!! ذلك مبلغهم من العلم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وبهذا البحث المتواضع حاولت جهدي إثبات أن ما أنزله الله شئ، وأن فهمنا له شئ آخر، وأن الانهيارات التي بدأت بعد وفاة النبي (ص)، وتوالت حتى اقتلعت النظام السياسي الإسلامي من واقع الحياة، لم تكن بسبب علة في الدين، ولا لنقص أو خطأ في منظومته الحقوقية الخالدة، إنما بسبب المسلمين الذين بدلوا نعمة الله وأعمالهم لما تهوى الأنفس، بدلا من حكم الله، وهنا يكمن جذر البلاء، ومن هنا المنطلق نحو الله.
وتأصيلا وتجذيرا وتسهيلا لاستيعاب هذا البحث، فقد قسمته إلى أربعة أبواب، عالجت في الباب الأول مفهوم الصحبة، وفي الباب الثاني كشفت الجذور التاريخية لهذا المفهوم، أما الباب الثالث فقد وضحت فيه المرجعية في الإسلام، ونظرا لارتباط مبدأ المرجعية بالقيادة السياسية، فقد تناولت في الباب الرابع القيادة