المسكين فاقد الوعي بضع دقائق وانهال عليه الجندي ضربا وسبا وشتما، ورق قلبي لذلك الشيخ وظننت أنه مات ودفعني فضولي وأخذتني الحمية وقلت للجندي: حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلي؟ فانتهرني قائلا: أسكت أنت ولا تتدخل حتى لا أصنع بك مثله.
ولما رأيت في عينيه الشر تجنبته وأنا ساخط على نفسي العاجزة عن نصرة المظلوم، وعلى السعوديين الذين يفعلون بالناس ما بدا لهم بدون رادع ولا وازع ولا من ينكر عليهم، وكان بعض الزائرين حاضرا فمنهم من حوقل (1) ومنهم من قال: إنه يستحق ذلك لأنه يصلي حول القبور وهو محرم، فلم أتمالك وانفجرت على هذا المتكلم قائلا: من قال لك أن الصلاة حول القبور حرام؟ أجابني: قد نهى رسول الله عن ذلك.
فقلت بدون وعي: تكذبون على رسول الله، وخشيت أن يتألب علي الحاضرون أو ينادوا الجندي فيفتك بي، فتلطفت قائلا: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد نهى عن ذلك فلماذا يخالف نهيه الملايين من الحجاج والزوار ويرتكبون حراما لأنهم يصلون حول قبر النبي وقبر أبي بكر وقبر عمر في المسجد النبوي الشريف، وفي مساجد المسلمين في كل العالم الإسلامي، وعلى افتراض أن الصلاة حول القبور حرام، أفبهذه الغلظة والشدة نعالجها؟ أم باللين واللطف، واسمحوا لي أن أروي لكم قصة ذلك الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله بحضرته وبحضرة أصحابه بدون حياء ولا خجل، ولما قام إليه بعض الصحابة شاهرين سيوفهم ليقتلوه، نهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعهم وقال:
(دعوه ولا تزرموه وهريقوا على بوله دلوا من الماء، إنما بعثتم لتيسروا لا لتعسروا، لتبشروا لا لتنفروا) وما كان من الصحابة إلا أن امتثلوا أمره، ونادى رسول الله الأعرابي وأجلسه إلى جانبه ورحب به ولاطفه وأفهمه أن ذلك المكان هو بيت الله ولا يمكن تنجيسه فأسلم الأعرابي ولم ير بعد ذلك إلا وهو آت المسجد في أحسن ثيابه وأطهرها، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله: (ولو كنت فظا