حب الدنيا والابتعاد عن تعاليمه سبحانه، ذلك بأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم، إن عقلي لا يطاوعني بتصديق أن القضاء والقدر هو الذي حتم مصير الإنسان، بل أميل وأكاد أجزم بأن الله سبحانه خلقنا وهدانا وألهمنا الفجور والتقوى، وأرسل إلينا رسله ليوضحوا لنا ما أشكل علينا ويعرفوننا الحق من الباطل، ولكن الإنسان غرته الحياة الدنيا وزينتها، الإنسان بأنانيته وكبريائه، بجهله وفضوله، بعناده ولجاجته، بظلمه وطغيانه مال عن الحق واتبع الشيطان وابتعد عن الرحمن فورد غير مورده، وأكل غير مأكله، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك أحسن تعبير وأوجزه بقوله تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) (1).
يا أبانا إبراهيم، لا لوم على اليهود والنصارى الذين عاندوا الحق بغيا بينهم لما جاءتهم البينة، فها هي الأمة التي أنقذها الله بولدك محمد وأخرجها من الظلمات إلى النور وجعلها خير أمة أخرجت للناس، فهي الأخرى اختلفت وتفرقت وكفر بعضها بعضا، وقد حذرهم رسول الله ونبههم إلى ذلك وضيق عليهم حتى قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث) فما بال هذه الأمة قد انقسمت وافترقت وأصبحت دويلات يعادي بعضها البعض ويحارب بعضها البعض ويكفر بعضها البعض وحتى لا يعرف بعضها البعض الآخر، فيهجره طيلة حياته، ما لهذه الأمة يا أبانا إبراهيم بعد ما كانت خير الأمم وقد ملكت الشرق والغرب وأوصلت للناس الهداية والعلوم والمعرفة والحضارة، إذا بها اليوم أصبحت أقل الأمم وأذلها فأراضيهم مغتصبة وشعوبهم مشردة ومسجدهم الأقصى تحتله عصابة من الصهاينة ولا يقدرون على تحريره، وإذا زرت بلدانهم فإنك لا ترى إلا الفقر المدقع والجوع القاتل والأراضي القاحلة، والأمراض الفتاكة والأخلاق السيئة، والتخلف الفكري والتقني، والظلم والاضطهاد، والأوساخ والحشرات، ويكفيك فقط أن تقارن بيوت الراحة (المراحيض) العمومية كيف هي في أوروبا وكيف هي عندنا، فإذا دخل المسافر إلى المراحيض