وجانب الحرام، بما أودعه الله فيهم من الفطرة، ولأن الله - تعالى -، وهو العليم المطلق، يعلم مصير هذه المقدمة وما يترتب عليها من نتائج ما زالت في بطن الغيب، يخبر - سبحانه - على لسان الأنبياء والرسل بما ينتظر الناس من نتائج، لكي يأخذوا بأسباب الهدى ويتجنبوا أسباب الضلال، وباختصار:
فإن من أخذ بأسباب الدجال سقط في سلته، وهوى في نار جهنم يوم القيامة، ومن أخذ بأسباب الهدى شرب من حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الله - تعالى - يمتحن الناس بأخذهم الأسباب، وهم تحت مظلة الامتحان والابتلاء يتمتعون بحرية الأخذ بها، وكل مسيرة - على امتداد الزمان - يتخللها ماض وحاضر ومستقبل، والماضي يحمل دائما في أحشائه الزاد، ومهمة الحاضر أن يستمد منه أسباب، والهدى، وينطلق بها إلى المستقبل، فمن أدركه الموت وهو على هدى، بعثة الله على نفس السبب، وكل إنسان سيصل إلى ما هاجر إليه، وإن أخبار الغيب التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كشفت المسيرة، وظهر ما في بطونها من زاد الماضي، وإذا وقف الحاضر أمام هذا الزاد ثم رجع القهقري بتحليل الحوادث التاريخية، يصل إلى المقدمة في الماضي البعيد، فإذا أمعن النظر فيها وجد أنها تحتوي على أصول القضايا وأعراقها التي يراها في حاضره فكما تكون المقدمة تكون النتيجة، الدعوة الإلهية الخاتمة أمرت باتقاء الفتن، وهذا لا يتحقق إلا بالبحث في أصول القضايا، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (الأنفال: 24 - 25)، النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أن الحاضر إذا رضي بانحراف الماضي، شارك بالمشاهدة وإن لم يحضر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا علمت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) ((1).