والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين لأمته المقدمات والنتائج حتى قيام الساعة، ليكونوا على بينة من أمرهم ويأخذوا بأسباب الأهداف التي لله فيها رضا، فعن أبي زيد قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا احفظنا) (1)، وعن أنس قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألون عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا) (2) وعن حذيفة قال: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة في ما بيني وبين الساعة، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعدها: منهن ثلا ث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري) (3)، وعنه أيضا أنه قال: (ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سميت سائقها وناعقها إلى يوم القيامة) (4)، وقال أيضا: (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) (5).
لقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجة عند المقدمة، وهو يخبر بالغيب عن ربه، وعندما انطلقت المسيرة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم تحت سقف الامتحان والابتلاء، لم تخل المسيرة من الفتن، بدليل أن حذيفة الذي يعرف الفتن وقادتها قال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من ثلاثين عاما: (إنما كان النفاق على عهد