إن الشورى لا تثمر إلا شورى والاستبداد لا يثمر إلا استبدادا..
ولأن ما جرى في السقيفة لم يكن له صلة بالشورى كان من الطبيعي أن تكون ثمرته مناقضة للشورى..
وهكذا جاء عمر. فلتة من فلتة. مهد لصاحبه ثم تلقفها منه بوصية من شيخ يحتضر دون حساب لرأي الأمة..
تقول وصية أبي بكر: هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة. آخر عهده في الدنيا نازحا وأول عهده داخلا بالآخرة. إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم فذلك ظني به. ورجائي فيه. وإن بدل وغير فالخير أردت.
ولا أعلم الغيب. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).. (1) لقد كان على أبي بكر أن يقوم برد الجميل الذي أسداه إليه عمر بتوصيله للحكم فقام هو بدوره ليوصله إلى الحكم وسن لأول مرة في تاريخ الإسلام نظام توريث الحكم. ذلك النظام الذي استند عليه فقهاء التبرير فيما بعد في تبرير استيلاء بن أمية وبني العباس على السلطة في بلاد المسلمين. كما كانت هذه السنة هي الدفعة الأولى للخط الأموي الذي بدأت ملامحه تبرز في عهد عمر..
ولما كان موقف أبو بكر هذا لا سند له من شرع أو شورى فقد أثار المسلمين في المدينة وتصدى له الكثير من الصحابة بين منكرين له ورافضين..
وأول الرافضين كان الأنصار..
وثانيهم آل البيت بزعامة الإمام علي..
وثالثهم طلحة ومن شايعه الذي هرول نحو أبي بكر منكرا قائلا: ماذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا تفرق منه النفوس وتنفض منه القلوب.. (2) ومن هنا يتبين لنا أن عمر لم يكن مرغوبا فيه وأن هذا الرفض لشخصه كانت له مبرراته الناتجة من سلوك عمر ومواقفه الاستفزازية طوال فترة حكم أبو بكر..