الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٩٨
* 3 - انحراف جديد:
كانت ثمود أمة من أمم الانحراف، والانحراف لا بد وأن يترك تحت رماده بذور يصلح زرعها على أرض معسكر الانحراف. الذي يستلم الراية فيما بعد.
وهذه البذور تظل تحت الأرض لفترة حتى يأتي من يتعهدها حتى تكبر وتصبح شجرة من الدنس في نهاية الطريق. وإذا كانت ثمود قد تعهدت شجرة (ما أنت إلا بشر مثلنا) التي قام كفار قوم نوح بتسليمها لكفار قوم هود، فإن ثمود كان لها السبق في إضافة معنى آخر يقبل بشرية الرسول بشروط، ولقد اتسعت هذه الشروط فيما بعد وكان في اتساعها كارثة.
فعندما حاصر صالح عليه السلام ثمود بحججه الدامغة، ولم تجد ثمود فيه إلا كل الخصال الحميدة، هرول إليه الضعاف واعتنقوا دعوته، وأمام هذا المد - وإن كان ضعيفا - اهتز الذين يحرصون على الحياة، وأصبحت أوراق فقه التحقير والانتقاص من البشر الذين يحملون رسالات الله لا تجدي. بعد أن أحرزت الدعوة تقدما لها في ديار الضعاف. لهذا قام كفار ثمود لتطوير فقه التحقير والانتقاص بما يسحب البساط من تحت أقدام النبوة فقالوا كما أخبر سبحانه:
(أبشر منا واحد نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر) أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر) (20) لقد نصبوا شباك الصد عن سبيل الله، شباك صنعت من خيوط الحسد، وقالوا: " لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا قيادتنا لواحد منا " (21) فلو كان الوحي حقا، وجاز أن ينزل على البشر لنزل على البشر جميعا (22) باختصار بثت أبواق ثمود ثقافة جديدة تقول للعامة والخاصة أن إثبات الرسالة لصالح وحده فيه انتقاص لكم، لأنكم تماثلونه في البشرية، فإذا جاز أن يدعي الرسالة، فمن حقكم أن تدعوا الانتفاخ بالروح القدس. وهذا البيان لن يصب في النهاية إلا في سلة الجبابرة. لأن الضعاف لن يجرؤ واحد منهم أن يدعي الانتفاخ أو يدعي الرسالة. لأنه لا يملك أن يقدم البينة عليها، فالبيان بالنسبة للضعفاء تحصين لهم في مواجهة صالح عليه السلام. أما بالنسبة للجبابرة، فإنهم إذا ادعوا الرسالة

(20) سورة القمر، الآيتان: 24 - 25.
(21) ابن كثير: 264 / 4، البغوي: 135 / 8.
(22) الميزان.
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»
الفهرست