الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٠٩
بالنسبة لثمود وهي أول من دق وتده في المسيرة البشرية، يستند على قاعدة غير سليمة، وهي قاعدة التشاؤم، فالتطير والتشاؤم مأخوذ من عادات الأقوام الجاهلية التي تجري وراء الخرافات والأوهام، ولقد كانوا يتشاءمون كثيرا بالطير، ولذا سموا التشاؤم تطيرا. إنهم ليشككوا في الدعوة قالوا: (ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرا)! إن هذا منطق أصحاب الجيوب المنتفخة والعقول المنتفخة. وأمام منطقهم العاجز الذي نبت في تيه الوهم والخرافة. وقف صالح عليه السلام. ليردهم إلى نور اليقين وإلى الحقيقة الواضحة، البعيدة عن الضباب والظلام " قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون " والمعنى:
(طائركم الذي فيه نصيبكم من الشر عند الله، وهو كتاب أعمالكم، ولست أنا ومن معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق إليكم هذه الابتلاءات، بل أنتم قوم تختبرون بهذه الأمور ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم) (53).
وأمام منطق صالح عليه السلام وحججه الدامغة! بدأ الشيطان يقود قافلة الانحراف بعد أن دعاها ولبت نداءه. وبدأت القافلة تخطط إلى ما هو أبعد من التشكيك، كي تحتفظ بالقومية التي شيد آباؤهم خيامها في معسكر الانحراف.
* 6 - نظرات في حركة الناقة:
لقد حافظ الانحراف في كل رمز من رموزه من أيام ابن آدم الأول قاتل أخيه. واحتوت خيامه على كل ثقافة للشذوذ وللتوثين تركها كفار قوم نوح وقوم هود. ولم تحفظ ذاكرة ثمود معجزة ناقة خرجت من الصخر بلا أب وبلا أم، ونسبها الله إلى نفسه وقال: (ناقة الله) لقد احتفظت ذاكرتهم بكل ما يبعدهم عن الله، وأبت عقولهم إلا أن تشرب من أوعية الدنس والعار التي تحتوي على ثقافة اتباع الهوى وطول الأمل.. تلك الثقافة التي خط الشيطان خطوطها الأولى. فمن ثمود من شاهد الناقة وهي تخرج من الصخرة ومن ورائها يجري ولدها، وسمع بأم أذنيه تحذير صالح عليه السلام من مساسها بأي سوء، ومنهم من سمع ولم يشاهد. ولكن هذا وذاك في معسكر الانحراف. لا قيمة لسمعهم

(53) الميزان: 373 / 15.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست