الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٩٦
أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما ها هنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (13).
لقد هدم عليه السلام عقائدهم وثقافاتهم التي تقوم عليها، فدعاهم لأن يتدبروا وأن يتقوا الله، وأمرهم بطاعته لأن طاعته هي طاعة الله، ثم نفى عن نفسه أي طمع دنيوي. والدليل أنه لم يسألهم الأجر كما يسألهم كهان الأوثان الأجر عندما يفتونهم، وليس معنى أنه لا يسألهم الأجر أن ما يقوم به لا وزن له، وإنما له ثواب وأجر عند الله رب العالمين وهو يطمع في هذا الأجر وهذا الثواب، وبعد أن قرع عليه السلام آذانهم بالتوحيد. رد عقولهم إلى الحقيقة التي تعاموا عنها فقال: (أتتركون في ما ها هنا آمنين)؟ أي أنكم لن تتركوا في أرضكم وما أحاط بكم في أرضكم هذه. وأنتم مطلقوا العنان لا تسألون عما تفعلون وآمنون من أي مؤاخذة إلهية (14) لقد وعظهم وحذرهم نقم الله أن تحل بهم.. وذكرهم بأنعم الله حيث أنبت الله لهم الجنات وفجر لهم من العيون الجاريات وأخرج لهم من الزروع والثمرات (15) لكنهم لم يشكروا النعمة ويضعوها في محلها، وإنما اتخذوا تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرا وبطرا وعبثا من غير حاجة إلى سكناها. وأنهم كانوا حانقين متقنين لنحتها ونقشها (16) ولأن ما يفعلوه لا ينفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، أمرهم أن يقبلوا على الله بطاعته. لأن طاعته من طاعة الله. وأن لا يطيعوا أمر المسرفين.. فلا يقلدوهم ولا يتبعوهم في أعمالهم وسلوكهم. وخطابه عليه السلام كان للعامة التابعين للمسرفين، وكان للمسرفين الذين يقلدون آباءهم ويطيعون أمرهم ولقد - أمر بعدم طاعتهم لأنهم يفسدون في الأرض غير مصلحين. والإفساد لا ومن معه العذاب الإلهي والله عزيز ذو انتقام.

(13) سورة الشعراء، الآيات: 141 - 152.
(14) الميزان.
(15) تفسير البغوي: 232 / 6.
(16) ابن كثير: 343 / 3، البغوي: 233 / 6.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست