الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٩٩
يمكن أن يلوحوا بما لديهم من عدة وما معهم من جموع، فالعدة والجموع قمم في عالم الانحراف والشذوذ، وعلى امتداد دعوات الأنبياء والرسل كانت معسكرات الانحراف ترفض الرسل لأنهم لا عدة لهم ولا جموع معهم، وأمام النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، دفعوا بما ورثوه عن ثمود (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (23) لقد بدأوا في صدر البشرية بأهداف خفية حملتها الجماهير، أما عند الرسالة الخاتمة ظهر ما كان مخبوء. ظهر أن أهل العناد والعتو والتمرد صعب عليهم أن يكونوا مروا سنين كسائر الناس يعمهم حكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا مال له ولا قوة من رجال وسلاح. كان الجبابرة في عهد الرسالة الخاتمة هم العنوان. ومن وراء الجبابرة وقفت الجماهير أتباع الناعق في كل زمان ومكان.
فإذا كانت ثمود قد دقت أوتاد العدة والجموع في أول الزمان، فإن القرآن الكريم مزق هذه العدة وهذه الجموع في معسكر الباطل، في رده على الذين قالوا: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) فقال تعالى:
(أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون * ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسرر عليها يتكئون * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) (24).
قال المفسرون: إن قولهم هذا ينبغي أن يتعجب منه! فإنهم يحكمون فيما لا يملكون، فهذه معيشتهم في الحياة الدنيا يعيشون بها ويرزقون. وهي رحمة منا. لا قدر لها ولا منزلة عندنا. وليست إلا متاعا زائلا. نحن نقسمها بينهم وهي خارجة عن مقدرتهم ومشيئتهم. فكيف يقسمون النبوة التي هي الرحمة الكبرى.
وهي مفتاح سعادة البشر الدائمة والفلاح الخالد. فيعطونها من شاؤوا ويمنعونها عمن شاؤوا. إن متاع الدنيا من مال وزينة، لا قدر لها عند الله سبحانه ولا منزلة، ولولا أن يجتمع الناس على الكفر لو شاهدوا تنعم الكافرين، لجعلنا لمن يكفر

(23) سورة الزخرف، الآية: 31.
(24) سورة الزخرف، الآيات: 32 - 35.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست