لقد كانوا يرون أنفسهم أفضل بني آدم. فأمسكوا بذيل الشيطان الذي قاس أفضليته على آدم بأن الله خلقه من نار بينما خلق آدم من طين. إن فقه الغباء لم يفطن في البداية أن الله هو الخالق ولم يفطن في النهاية إلى أن الله هو الرزاق وأن له في خلقه شؤون وما خلق سبحانه شيئا إلا بهدف ومن وراء هذا الهدف حكمة.
وإذا كانت ثمود قد أمسكت بذيل عاد في رفض البشر الرسول، فإنهم سقطوا معهم في قاع اتباع الهوى وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فأورثهم الصد عن الحق. وأما طول الأمل فأورثهم نسيان الآخرة، ومع ثقافة الصد والنسيان لم تتدبر ثمود فهلك عاد وقوم نوح من قبل. فأقاموا بيوتهم في بطون الصخر وجعلوا لها أبوابا ضيقة يتحكمون فيها عند هبوب الرياح. حتى لا يهلكوا كما هلكت عاد. وكانت عاد من قبل قد شيدت لها أبنية على قمم المرتفعات حتى لا يهلكهم الطوفان الذي أهلك قوم نوح من قبل. وعن ثمود يقول تعالى: (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) (6) أي يسكنون الكهوف المنحوتة من الحجارة ظنا منهم أن هذا يجعلهم آمنين من الحوادث الأرضية والسماوية. إنها ثقافة النسيان. التي انطلقت إلى غابة طول الأمل الشيطانية. وهناك في كل جرف صخري داخل واديهم السحيق. أقاموا مساكنهم التي ظنوا أنها تدفع عنهم الموت، ولم يكن يدري أهل ثقافة الانحراف. أن كفران النعمة أورثهم الجوع والخوف. والجائع لا يشبع من طعام ولا من حياة، ولأنه يريد مزيد من الحياة، خاف من المستقبل، وفي عالم الخوف يقف الخائف وراء الجدر، فلا يقاتل إلا من ورائها ولا يكيد إلا من ورائها، وثمود لم تكتف بالوقوف وراء الجدر بل دخلت فيها. يقول تعالى:
(وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) (7) أي الذين ينحتون الصخر ويخرقونه ليتخذون منه بيوتا (8). لقد ظنوا أن ما يصنعوه يؤمن سعادتهم في الدنيا، ولم يدر أهل كفران النعمة ونسيان العهد، أن بطون الجبال ستكون عذابا لهم في يوم أليم وأن حضارتهم لن تحمل للمستقبل إلا دخانا، يدل على أن في هذا المكان يوما ما اضطرمت نار الغضب، كي يعتبر بهم من أراد الاعتبار.