ومشهود له بالأمانة، وعندما تتوج الأمانة والشرف إنسانا صادقا في عالم يتخذ من خناجره معاول لتمزيق أحشاء الصخور بحثا عن الأمن. يكون هذا الإنسان في حد ذاته دعوة للسمع وللبصر. فلعل السمع منه يدل القوم إلى الأمن الذي يقود إلى السعادة الحقيقية، لأنهم عندما يسمعون سيسمعون من عاقل، وعندما ينظرون فسينظرون إلى أمين لا يسألهم أجرا، لقد كان بعثه عليه السلام وهو غلام معجزة لم يتدبرها الأوائل، لأنهم انطلقوا في ليل الانحراف الذي يغشى بأجنحته السوداء دروب الضياء والمعرفة، وكان عليه السلام يراهم وهم يهرولون في اتجاه الصخور ويخبرهم أن الطريق إلى الأمن لا يحتاج إلى هذه المشاق. وأنه يبدأ من توحيد الله وعبادته والسير داخل المجتمع بالعدل والإحسان. وأن لا يسرفوا ولا يطغوا ولا يعلوا في الأرض. كان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن القوم تجنبوه في بداية الأمر، ولم يجبه من قومه إلا نفر يسير من الضعفاء، الذين لا ينظرون إلى الصورة. ولكن يتعمقون في القول وبلاغته ومضمونه وأهدافه، ولا ينظرون إلى طول الجسم وما عليه. وإنما ينظرون إلى أعماق الإنسان، حيث الأمانة والعفة والطهر والنقاء والصدق، كان هذا هو حال الضعفاء الذين اتبعوا صالحا عليه السلام، أما الجبابرة فتجنبوه لعدم استطاعتهم دفع حججه، وأوهموا أتباعهم أنهم إنما تركوه لصغر سنه.
وشب صالح عليه السلام في ثمود، وكان كل يوم يمر يشعر معه الجبابرة بالخطر الذي يحمله صالح عليه السلام. لقد وجدوه يحمل عقيدة تعمل من أجل الإطاحة بما كان عليه آباؤهم. وهذه العقيدة تلازمه من يوم أن شاهدوه في أول أمره كنبت أخضر ذي أصل ثابت. يتسلق فرعه في اتجاه السماء، إلى اليوم الذي أصبح فيه كشجرة تشب مع الأجيال وتحمل لهم الثمار، كان الجبابرة يشعرون بالخطر، ولأنهم لا يتنفسون إلا من خيمة الانحراف، كان كل يوم يمر لا يزدهم من الإيمان إلا بعدا، لم يتدبروا يوما في أحوال صالح الذي حمل الرشد والكمال في شخصه وبيته، ولا يأتي منه إلا الخير. ولا يترقب منه إلا النفع.
2 - الدعوة:
يقول تعالى: (كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن