الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٩٤
* 2 - الرسول والدعوة.
1 - الرسول:
بعث صالح عليه السلام وكان يومئذ غلام حدث (9) وروي أنه بعث وهو ابن ست عشرة سنة، فلبث فيهم حتى بلغ مائة وعشرين سنة (10) وذكر ابن الأثير في الكامل أنه بعث وهو ابن ثلاثين سنة، ومات وهو ابن ثمان وخمسون سنة (11) ورواية بعثه وهو غلام رواها غير واحد، وهناك روايات ذكرت أن دعوة صالح عليه السلام كانت عشرين سنة، وهذه مدة غير كافية لنسيان ثقافة خروج الناقة من الصخرة. ومن المعروف أن معجزة الناقة أدت إلى إيمان العديد وعلى رأسهم رئيس القوم (12). أما الرواية التي نصت على أن صالحا عليه السلام بعث وهو غلام أو ابن ست عشرة سنة وأنه لبث فيهم حتى بلغ مائة وعشرين سنة، فهي تستقيم مع الأحداث لأن المدة كافية لظهور أجيال ترى في الناقة عادة مألوفة، ولا تراها كمعجزة كما رآها الجيل السابق، ومع هذه الأجيال تدور معارك العقيدة، بين معسكر الحق ومعسكر الشذوذ الذي يسهر عليه آباء الانحراف الذين لم يؤمنوا برسالة صالح وتمسكوا بذيول الآباء. فالناقة كانت في الحقيقة حجة على جيلين. جيل طلب الآية. وجيل لم يطلب الآية ولكنه رآها وهو يشب بين القوم.
الجيل الأول آمن منه من آمن وعاش في ثقافة المعجزة، أما الجيل الثاني فجاء يسمع ثقافة المعجزة وثقافة الصد عن السبيل، وهو مخير بين هذا وذاك. إما أن يكون مع الناجين. وإما أن يكون امتدادا لأجيال لن تلد إلا فاجرا كفارا وحينئذ يكون عذاب الاستئصال.
بعث صالح عليه السلام وهو غلام. وبعث الله تعالى صالحا في هذا السن معجزة في حد ذاتها. ليرى فيه القوم رجاحة العقل في زمن عز فيه أن يرى عاقل تنجبه ثقافة الجوع والخوف والصخور، وصالح عليه السلام كان من بيت شرف

(9) مروج الذهب / المسعودي: 47 / 2.
(10) الأنبياء / العاملي: 104.
(11) الفتح الرباني: 46 / 20.
(12) مروج الذهب: 47 / 2، ابن كثير: 228 / 2، تفسير الميزان: 315 / 10.
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست