خطابهم (28).. وكان صالح عليه السلام قد حضر جمعا لهم. فسألوه أن يأتيهم بمعجزة تجانس أملاكهم، وذلك بعد اتفاق آرائهم. وكان القوم أصحاب إبل..
وتقدم زعيم القوم وقال له: يا صالح إن كنت صادقا في قولك، وأنك معبر عن ربك، فاظهر لنا من هذه الصخرة ناقة (وكانت صخرة صماء عينوها بأنفسهم، وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر، يقال لها الكاتبة (29) وكانوا يعظمونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة) (30) ولتكن هذه الناقة: وبراء، سوداء، عشراء، نتوجا حالكة، صافية اللون، ذا عرف وناصية وشعر ووبر (31).
كان القوم لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله، وحول كل صنم جماهيره تهتف: يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذه الصخرة الناقة التي سألنا. لقد سأل الجبابرة معجزة من جنس ما يملكون وهتفت الجماهير هتاف الصخر الذي فيه يعملون. فقال لهم صالح عليه السلام: " لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي سبحانه وتعالى " (32) وعندئذ أوحى إليه الله تعالى:
(إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) (33) لقد أوحى سبحانه إليه بأنه سيرسل على طريق الإعجاز الناقة التي سألوها، امتحانا لهم، وأمره أن يصبر على أذاهم، وأن يخبرهم بعد إرسال الناقة. أن الماء مقسوم بين الناقة وبين القوم، لكل منهما نصيب من الشرب يحضر عنده صاحبه، فالقوم يحضرون عند شربهم والناقة عند شربها (34) وفي يوم عيد القوم، وقف صالح عليه السلام أمام الصخرة يستغيث بربه، فتحركت الصخرة وتململت، وبدا منها حنين وأنين، ثم انصدعت من بعد تمخض شديد، كتمخض المرأة حين الولادة. وظهر منها ناقة على ما طلبوا من الصفة،