الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٥
حضارتهم وأعمدتهم وأصنامهم وأخبروه أن ما يقوله لهم ما هو إلا نتيجة لما أصاب عقله من جنون وخبل، ومصدر هذا الجنون تطاوله على الآلهة ونهيه عن عبادتها!
هكذا تفكر عاد في عالم القحط. وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على عمق الحضيض الذي تهاووا فيه بعد انحرافهم عن الصراط المستقيم، إن الإنسان عندما يفقد الماء يتضرع، ولكن أصحاب الأعمدة والصخور كانت لهم قلوب لا تعاني من فقد الماء. قلوب من حجارة. نبتت وترعرعت في خيام الأخلاق الحديدية.
* معجزة هود عليه السلام:
لقد انتفخ جبابرة عاد وطالبوه بالمعجزة (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة) ثم قالوا بأن أصنامهم قد مسته بسوء (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) فجاء رد هود عليه السلام بما يريدون. جاء بالمعجزة التي تستقيم مع الذي عند قوم عاد. وعاد عندها القوة وتسير على ثقافة (من أشد منا قوة؟) لهذا جاءتهم المعجزة التي تقصم ظهر قوتهم: قوة الفرد أو القبيلة أو المرتزقة أو الدولة، والمعجزة جاءت في رد هود عليه السلام: (قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) (35).
لقد أعلن البراءة من شركائهم. ولا ينفي ذلك كونه برئ منها من أول مرة. وإعلانه البراءة هنا ليضع القوم أمام التحدي وأمام المعجزة. فلقد قالوا بأن الأصنام قد مسته بسوء. فرد عليهم بأنه برئ منها لأنها لو كانت آلهة حقا وتتمتع بعلم وقدرة فيجب عليها أن تقهره وتنتقم منه لنفسها وهو يعلن تبرؤه منها فالتبرء حجة بينة على أنها ليست بآلهة وعلى أنها لم تعتره بسوء كما ادعوا. وبعد أن حطم عليه السلام القاعدة الصنمية للأوثان التي من حجر. انتقل إلى القاعدة الصنمية التي من لحم ودم وعظم. وقدم للجبابرة معجزته التي أذلتهم وهم في أزهى لباس للقوة قال: (فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون) لقد كان في قوله لهم أمر ونهي تعجيزيان لقد طالبهم أن يكيدوا له وفي قوله (جميعا) إشارة إلى أن

(35) سورة هود، الآيات: 54 - 56.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست