الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٦
مراده تعجيزهم وتعجيز آلهتهم جميعا، وبهذا التعجيز الشامل يكون قد قدم أتم دلالة على كونه على الحق وكونهم على الباطل (36). لقد قال للعتاة الذين يبطشون بطش الجبارين: (فكيدوني جميعا) ليشاهدوا وليعلموا أنهم بمضارتهم وثقافتهم وقوتهم لن يقدروا عليه بقتل أو بتنكيل. على الرغم من أنهم ذوي شدة وقوة لا يعادلهم فيها غيرهم من أهل الشدة والبطش. فليفعلوا ولن يستطيعوا أن يضروه. وعندما يضربهم العجز. فيجب عليهم أن يصدقوه.
ويؤمنوا به وبرسالته التي من عند الله. لأنه لولا أنه نبي من عند الله، صادق فيما يقوله، مصون من عند ربه.. لقدروا عليه بكل ما أرادوا من عذاب أو دفع، وأخبرهم بأن معجزة التحدي للقوة لا تعود إلى كونه أشد منهم قوة ولا إلى أنه ينتمي إلى جنس غير جنس البشر، فهو بشر يخاف ويكره، ولكنه لن يخاف من قوتهم الطاغية، ليس لأنه يحمل معجزة التحدي للقوة، وإنما لأنه توكل على الله ربه وربهم، فهو سبحانه الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه. وهو سبحانه المحيط بهم جميعا والقاهر لهم. وهو سبحانه الذي ينصر الحق ويظهره على الباطل إذا تقابلا.
وأمام معجزة هود عليه السلام ارتدت عاد ثوب المذلة، فآلهتهم لم تفعل لهود عليه السلام شيئا رغم سهر فقهاء الجبابرة أمامها وطلبهم تدخلها، والجبابرة والعتاة لم يستطيعوا أن يضروا هودا وهم أصحاب شعار (من أشد منا قوة؟) إن دولة تحمل شعارا لا تستطيع العمل بمضمونه هو - وفقا لمقاييس أصحاب القمة - مذلة وهو - وفقا لمقاييس أصحاب القاع - مهانة. (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) (37). وعندما كانت عاد في ثوب المذلة، كان هود عليه السلام بين أتباعه في عافية وسلامة لا يستطيع أحد أن يمسه بسوء أو يناله بشر، وعندما ذاق جبابرة عاد مرارة العجز، انسحبوا من المواجهة، انسحبت الدولة كلها بأوثانها وفقهائها وجبابرتها وجنودها من أمام هود عليه السلام، ووقفوا جميعا في خندق من خنادق الصد عن سبيل الله لا يملكون فيه إلا بذاءة اللسان.

(36) الميزان 302 / 10.
(37) سورة فصلت، الآية: 15.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست