الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٧٤
تستدعي تتابع البلايا والمحن وتجلب النقمة والشقاوة والهلكة (31) كما يشير إليه قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (32).
لقد دعاهم هود عليه السلام وهم تحت ضربات القحط إلى التعقل، فالكون يخضع لنظام دقيق، وإن الاطعام والأمن بين يدي الذي يملك الجوع والخوف، فمن انحرف عن نظام الاطعام والأمن سقط في دائرة الجوع والخوف والمد والاستدراج فماذا كان رد عاد في عالم القحط والجدب؟ (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) (33) لقد ردوا على هود عليه السلام فيما قاله لهم.
فلقد طالبهم هود بأمرين هما: أن يتركوا آلهتهم ويعبدوا الله وحده، وأن يؤمنوا به ويطيعوه فيما ينصح لهم، فهذه كانت مطالب هود عليه السلام. أما الرد عليه فجاء إجمالا وتفصيلا. (أما إجمالا) فبقولهم: (ما جئتنا ببينة) أي ما جئتنا بحجة وبرهان على ما تدعيه من الرسالة، إن دعوتك لنا خالية من المعجزة. فما هي معجزتك الخارقة للعادة؟ وبما أنه لا توجد معك معجزة. فلا موجب للإصغاء إلى ما هذا شأنه (وأما تفصيلا) فلقد رفضوا دعوته التي طالبهم فيها برفض الشركاء فقالوا: (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) كما رفضوا دعوته إياهم إلى الإيمان والطاعة فقالوا: (وما نحن لك بمؤمنين) ووفقا للإجمال والتفصيل فقد آيسوه في كلتا الحالتين،. ثم قالوا له: (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) أي نعتقد في أمرك أن بعض آلهتنا أصابك بسوء كالخبل والجنون.
لشتمك إياها وذكرك لها بسوء فذهب بذلك عقلك. ومن كان هذا شأنه فلا يعبأ بما يقوله في دعوته (34).
لقد طالبوه بالمعجزة، وأخبره أنهم لن يتركوا آلهتهم من قوله، أي بمجرد قوله اتركوهم يتركوهم. وأعلنوه بصراحة أنهم له غير مؤمنين. ثم نظروا إلى

(31) الميزان: 300 / 10.
(32) سورة الأعراف، الآية: 96.
(33) سورة هود، الآيتان: 53 - 54.
(34) الميزان: 301 / 10.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست